أتذكر خلال سنوات قد خلت، وبالأخص سنوات الدراسة المدرسية والجامعية، أننا كنا نستمتع خلال شهر رمضان بالمكوث في المسجد إحياء لسنة الاعتكاف التي حث عليها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.. وأذكر أن المساجد كانت تعج بالمصلين وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان.. كنا نشتاق لأوقات الاعتكاف كثيراً، فما إن ينتهي الدوام المدرسي إلا ونسرع الخطى للمسجد للارتماء في أحضانه والتلذذ بساعات الراحة والطمأنينة التي كنا نرتاحها بعد عناء الدراسة.. ثم يتجدد نشاطنا بالمكوث ساعات أخرى لقراءة القرآن وتدبر معانيه، ثم لحظات أخرى مع الفطور الجماعي الذي كان يجمعنا مع الأحباب في الله ورواد المسجد.. والأجمل من ذلك كله ساعة صلاة التراويح الجميلة التي كنا نجتمع حينها للتلذذ بطاعة الرحمن والترنم بأعطر الآيات.. ثم لحظات أخرى نجتمع من خلالها في المسجد لنتجاذب أطراف الحديث.أقارن تلك الفترة مع سنوات رمضان الأخيرة فنحس بأن رمضان لم يعد كسابق عهده لدى الناس، فالمساجد في رمضان لم تعد كالماضي، فروادها هم من روادها قبل رمضان، والناس أضحت تسارع إلى باب المسجد للخروج منه «طلبا لدنيا فانية».. لقد بات الواحد منا يتشوق للحظات كان يسعد بها برؤية إخوانه وأحبابه ورواد مسجده وأبناء الحي الذي يقطنه، فرمضان يجمع القلوب في دوحته العامرة، فالكل كان يحرص على الاستقطاع من أوقاته ليعطوا أنفسهم فسحة من أنغام الروحانيات التي يمنحها رمضان للمخلصين من عباد الرحمن.ولعلنا نقتنع في لحظات التأمل أن حياتنا لم تعد كسابق عهدها، وتبدل الأحوال وتغير أماكن سكن الناس وتفرقهم عن أحيائهم الشعبية العريقة وبخاصة في المدن التي لها صيت كبير بأنشطتها وحياتها العفوية.. فحياتنا لم تعد كتلك التي عاشها الآباء والأجداد أو التي عشناها يوم أن كنا صغاراً.. فكنا نستمتع ببركة رمضان، ومدرسته العامرة بالخيرات..دعوة من القلب لكل صاحب قلب سليم محب لربه، بأن يسعى جاهداً لاقتناص الأوقات قربة للرحمن، وتوطين نفسه في المساجد في شهر البركات، فهي المتنفس الوحيد للمرء لكي يبتعد عن صخب الحياة ومشاغلها.. نعم رمضان يستاهل لنفرغ أنفسنا له.. جددوا العزم على ذلك فرمضان اليوم سيمضي سريعا دون أن نحس به.. والشباب يجب أن يكونوا من أول المبادرين لقضاء أوقاتهم في بيوت الرحمن وقراءة القرآن..رمضان ستكون حبيباً إلى نفوسنا بخيراتك.. وستكون بيوت الرحمن مسكن الراحة النفسية لنا جميعاً.. ونسأل الله العافية والثبات..