في مسلسل «العراف» الذي يعرض حالياً في رمضان، يقوم الفنان الكبير عادل إمام بدور رئيس مباحث الرقابة المالية، ومهمته البحث في فساد التجار والتفافهم على القانون وعلاقاتهم المشبوهة ببعض مواقع التأثير في الدولة بما يسهل أمورهم، ويركز إمام (اللواء شوقي المر) على استرجاع المال العام بما يحفظ حقوق الشعب.لسنا نروج للمسلسل هنا، بل نشير لبعض المواقف فيه والتي فيها إسقاطات بديهية على واقعنا المعاش.في الحلقة الثانية من المسلسل يبدأ عادل إمام باستدعاء «الهوامير» من كبار التجار الذين يلعبون بالأموال، والذين يقومون بصفقات خيالية بالملايين وأغلبها تتركز في استيراد المواد الغذائية وبيعها على الدولة بأضعاف أضعاف أسعارها. ومن يتم استدعاؤه واستجوابه وتوجيه التهم له هم من يقومون بالغش في التجارة، كبيع لحوم مصنعة كطعام للقطط والكلاب مستوردة من الخارج على أنها لحوم لاستخدام البشر، والكارثة أنها لحوم منتهية، أو من يبيع القمح لصناعة الخبز على أساس أنه أجود أنواع القمح بينما هو أردأ الأنواع، بل هو في الأساس قمح «مسرطن» ومنتهي الصلاحية.المقطع الأول الذي سنركز عليه هو كلام اللواء رئيس مباحث الرقابة المالية لتاجر القمح الكبير، حينما يقول له بالنص: «الشعب يحب يعضعض في رغيف العيش، ولما الشعب ما يعضعضش، هيعضعض في الحكومة، وهيعضعض في الدولة كلها، إحنا بنعتبر رغيف العيش مسألة أمن قومي للدولة»! وهنا الإسقاط واضح جداً، يتمثل بأن الشعوب إن لم تصل لمرحلة تجد فيها الخدمات من خلال أداء وعمل على أعلى المستويات فإن ذلك سيقودها لمرحلة ثوران وغضب، وهذا الغضب سينصب على الجهات المعنية بالقيام بدورها المطلوب والملزم تجاه الشعب، وعليه فإن توفير الأمن الغذائي وحماية المستهلك مثلاً من جهة، وتحقيق الرغبات الشعبية من خدمات وتسهيلات وغيرها كأمثلة أخرى من جهة أخرى، هي مطالب يجب أن تحقق للشعب، ويجب أن يبذل المسؤولون المعنيون القائمون عليها كل جهد وتعب لأجل تحقيقها.لنستذكر قضية اللحوم الفاسدة وكيف كانت الحالة مشابهة لحالة من يريد استيراد أي شيء حتى لو كان فاسداً وغير صالح فقط ليكسب مادياً ولو كان على حساب الناس. وفي جانب الخدمات كمثال ما يحصل اليوم من انقطاعات كهربائية تضطر الناس للإفطار على ضوء الشموع. حاسبوا يا مسؤولين من الشعب إن قرر أن «يعضعض».في مقطع آخر، وهو ما سيقودنا لمحور آخر يتداخل مع الوضع السياسي، يقول التاجر الآخر المتهم بالتحايل على الدولة واستغفالها والسرقة منها، يقول التاجر للواء المر: «إحنا والحكومة مجدافين في مركب واحد، ولو في أي مشكلة نتصالح»! فيرد عليه اللواء قائلاً: «نتصالح؟! انتوا مطلعين عين أم الدولة والشعب، ولما تنذلوا تقولوا نتصالح؟!».الإسقاط واضح جداً، ومن على رأسه بطحة يتحسسها. إذ بعد أن عمد بعض كارهي هذا الوطن لـ»تطليع» عين الدولة والشعب بمحاولة انقلابهم الطائفية، جاؤوا بعد إعلان السلامة الوطنية، وبعد أن تحركت الدولة لتعيد الأمن وتحمي مواطنيها ومقيميها، جاؤوا ليشغلوا نغمة «المصالحة والتعايش» وتحولوا من مطلقي كلمات الفرقة والعنصرية والطائفية والسم الناقع إلى «حمائم سلام» يدعون للتصالح والتحاور وإعادة اللحمة التي هم من مزقها شر تمزيق.سألني أحدهم بعد أن نشرت هذا المقطع على حسابي بـ»الإنستغرام»: كيف نتعايش مع من خان البلد، كيف نتصالح مع من أراد خطفها وتعامل معنا بكل طائفية وكراهية؟!أجبته بأن ما يكسر من الصعب أن يتصلح، يمكن أن يتم «ترميمه» لكن موقع «الشرخ» سيظل واضحاً للعيان، وسيظل قابلاً للكسر مجدداً حتى إن هبت عليه نسمة هواء ضعيفة.