في ظل التحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي منذ نحو عامين، يتزايد التساؤل لدى شعوب الخليجية بمستقبل هذه الدول، وجدوى استمراريتها وبقائها مع وجود أجندة محلية وإقليمية ودولية تتطلع بهوس نحو التغيير السياسي الراديكالي.ثمة خطوات خمس من شأنها ضمان بقاء الدول الخليجية الست خلال العقود المقبلة، وهي لا تعني في جميع الأحوال خطوات متسلسلة، وإنما تعني خيارات تمثل منظومة لتغيير اتجاهات السياسات الخليجية الداخلية والخارجية. الخطوة الأولى: الإصلاح السياسي التدريجي: لا يوجد خيار آخر لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بضرورة التكيف مع المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية التي باتت واقعاً فاق السيطرة. ولكن التكيف المطلوب هنا ليس ما تفرضه القوى العظمى أو الكبرى من مبادئ ديمقراطية ومعايير مزدوجة لحقوق الإنسان، بل التكيف الذي تحتاجه دول الخليج هو ذلك الإصلاح الذي يضمن الانتقال بالنظام السياسي من مرحلة إلى مرحلة أخرى أفضل. وبالتالي ليس مهماً أن تكون هناك ديمقراطيات ناشئة في كافة دول مجلس التعاون بقدر ما هناك توافق عام على شكل النظام السياسي، وطبيعة تفاعلاته دائماً، لأن هذا التوافق هو الذي يمكن أن يضمن الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني.والعنصر المفقود في قضية الإصلاح السياسي بدول المجلس هو غياب خصوصية خليجية مشتركة تتعلق بالإصلاح السياسي. فعلى سبيل المثال دائماً ما يتم ضرب مثال بالتجربة الأوروبية العريقة في الإصلاح السياسي، أو التجربة الأمريكية وغيرها، والحقيقة تشير إلى أن كل تجربة من هاتين التجربتين لها خصوصيتها، ويجب احترامها، وعليه فإن لدول مجلس التعاون أيضاً خصوصية يجب احترامها، ويجب ألا يتم السماح للآخرين بالتدخل فيها أو التلاعب بها نهائياً. الخطوة الثانية: نقل الصراع السياسي إلى الخارج:معارك الصراع السياسي التي تعيشها مجتمعات دول مجلس التعاون اليوم معظمها مرتبط بتدخلات إقليمية وخارجية، وأسبابها وتداعياتها وحتى أبعادها معروفة. ولكن المعالجات دائماً تتم وفق منظور محلي صرف. فلعقود طويلة عانت دول المجلس من التدخلات الإيرانية، وكذلك تدخلات حزب الله الإرهابي، ولكن محاولات إيقاف مثل هذه التدخلات كانت دائماً محلية، سواءً بتفعيل القانون، أو المواجهة الأمنية، أو الاحتواء السياسي.. إلخ.ولم تحاول دول مجلس التعاون في يوم ما نقل هذا الصراع إلى خارج أراضيها رغم ما تتمتع به من إمكانيات مادية وبشرية وعسكرية واقتصادية ضخمة. خاصة إذا ما تمت مقارنة ما تنفقه الدول المصدرة للأزمات التي تستهدف دول الخليج العربية مثل إيران على تصدير الصراع للخارج، فإن الكفة ستكون لصالح طهران وليس لصالح دول مجلس التعاون مجتمعة. نقل الصراع السياسي إلى خارج أراضي دول مجلس التعاون خطوة مهمة من شأنها تغيير مسارات الصراع واتجاهاته، وإلهاء القوى المصدرة للأزمات بقضايا أخرى وخلق المزيد من التحديات لها حماية للمصالح الخليجية. الخطوة الثالثة: التدخل المباشر في الصراعات الإقليمية:معظم القوى الكبرى على الأقل وليس العظمى تتجه إلى التدخل المباشر في الصراعات الإقليمية، ليس لكي تكون طرفاً في الصراع، وإنما لتكون طرفاً في حماية مصالحها الإستراتيجية والدفاع عنها. وبالمقابل فإن دول مجلس التعاون رغم مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط أو أصقاع أخرى من العالم، إلا أنها من أقل دول العالم دفاعاً عن مصالحها، وحتى إن اندلعت صراعات إقليمية هنا وهناك، فإنها تحاول الالتزام بالحياد أو تجاهل الصراع، أو التعامل معه بفتور واضح. مثل هذه الطرق كلفت دول المجلس الكثير، ومن المتوقع أن تكلفها أكثر خلال العقود المقبلة إذا استمرت على هذا المنوال التقليدي. أهمية هذه الخطوة هو تنامي مخاطر الفراغ السياسي الذي ظهر في الشرق الأوسط بعد اندلاع الثورات العربية أواخر 2010. فغياب القوى الإقليمية التي تقود تفاعلات المنطقة، مثل سوريا والعراق ومصر، يزيد من حاجة دول المجلس إلى لعب دور أكثر نشاطاً في المنطقة. ويمكن تصور ما يمكن أن يسفر عنه التدخل الخليجي المباشر في الأراضي السورية في مسارات هذه الأزمة المعقدة. الخطوة الرابعة: إعادة هندسة التحالفات التقليدية: النظام الدولي يعيش مرحلة تحول هامة حالياً بعد أن شارفت مرحلة الأحادية القطبية على الانتهاء، ومن المهم أن تستوعب دول مجلس التعاون هذا التحول التاريخي لتبدأ في إعادة هندسة تحالفاتها التقليدية نحو تحالفات ذكية متوازنة على المستويين الإقليمي والدولي. فالاعتماد في التحالف على الولايات المتحدة بات اتجاهاً قديماً بحاجة إلى تغيير في ظل وجود قوى دولية أخرى لها نفوذ سياسي مماثل.الخطوة الخامسة: تطوير صيغ التعاون الإقليمي: ليس فقط شعوب الخليج العربي لديها القناعة بأن صيغة التعاون الإقليمي الحالية (ممثلة في مجلس التعاون الخليجي) غير مجدية، وإنما معظم النخب الحاكمة صارت لديها القناعة ذاتها. وبالتالي فإن استمرار الصيغة الراهنة من شأنه أن يزيد من التحديات التي تواجهها دول المنطقة، وتجربة أكثر من 3 عقود كشفت الحاجة المتبادلة للعمل المشترك لمواجهة هذه التحديات.
Opinion
خطوات البقاء الخمس لدول مجلس التعاون
12 يونيو 2013