حسناً فعلت وزارة الخارجية عندما كشفت عن قيامها بالتنسيق مع السفارة الأمريكية في المملكة من أجل استفادة الشباب البحرينيين من الفئة العمرية «25 ـ 40 سنة» من برنامج التغيير السياسي الذي تقدمه الإدارة الأمريكية في إطار مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط «مي بي». الوزارة تلقت خطاباً رسمياً من السفارة الأمريكية خلال أكتوبر الماضي بشأن هذا البرنامج، وقامت الوزارة بدورها بمخاطبة ديوان الخدمة المدنية الذي تولى مهمة التنسيق مع الجهات المعنية وهي وزارة حقوق الإنسان ووزارة التنمية الاجتماعية، ومعهد البحرين للتنمية السياسية. وزارة الخارجية أكدت في ردها على سؤال برلماني في هذا السياق أنها حريصة على متابعة أنشطة السفارات بالمملكة للتأكد من توافقها مع الاتفاقات الدولية والأنظمة المعمول بها. هذا هو ملخص تعليق الخارجية البحرينية على الموضوع الذي أثار جدلاً واسعاً نهاية العام الماضي عندما أعلنت السفارة الأمريكية بالمنامة قبولها ترشيحات البحرينيين لبرنامج إعداد القادة في مجال الديمقراطية وهو برنامج تدريبي بالولايات المتحدة يستمر لنحو 3 شهور.في يوم الأحد الموافق 18 نوفمبر الماضي كتبت حول هذا الموضوع، وأشرت إلى أن إعلان السفارة الأمريكية عن هذا البرنامج له دلالتان، الأولى تتعلق باستمرار واشنطن نحو بناء نخب سياسية جديدة لها علاقات تحالفية معها بحيث يمكن الاعتماد عليها مستقبلاً في التغيير السياسي المطلوب. والثانية تتعلق بحرصها على العمل بشكل مكشوف انطلاقاً مع معايير «الشفافية» التي تتبناها، ولكن الشفافية هنا تكون في تغيير النظام البحريني، وذلك في خطوة مشابهة لما أعلنت عنه وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه» في نهاية العام 2001 عندما «طلبت توظيف عملاء بحرينيين للعمل معها في المنامة وفي واشنطن!».كما انتقدت الموقف الرسمي من تحركات السفارة والتزامه الصمت، ولكن يبدو أن الصمت لم يكن هو الموقف الحقيقي، فوزارة الخارجية قامت بالتنسيق مع الجهات المعنية في الحكومة، وقامت كذلك بالتأكد أن نشاط السفارة الأمريكية يتطابق مع الاتفاقيات الدولية والأنظمة المعمول بها!لا أعتقد أن هناك اتفاقية دولية تنص على حق الدول في تغيير أنظمة الدول الأخرى بمختلف الوسائل سواءً كانت عنيفة أو حتى سلمية، أو حتى من خلال تشكيل نخب سياسية حليفة للدولة التي دربتهم. وهو ما شاهدنا عندما تابعنا من دربتهم واشنطن وأدوارهم المشبوهة في أحداث 2011!جميع الدبلوماسيين في الخارجية البحرينية يعرفون السياق الذي تأسست من خلاله المبادرة الأمريكية للشراكة مع الشرق الأوسط في العام 2002، ويعرفون جيداً أهدافها ومساعيها. والمجتمع البحريني صار واعياً عندما شاهد التمويل المباشر وغير المباشر الذي قامت به مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية لمنظمات دعمت التغيير السياسي ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما في البحرين عندما أنفقت أموال طائلة معلنة وموثقة بالتفاصيل.ليس مقبولاً أن تحاول الخارجية تضليل النواب قبل تضليل الرأي العام البحريني، فالبرنامج الذي قامت بالتنسيق له بطلب من السفارة الأمريكية معروفة أهدافه، ولا أعتقد أننا بحاجة لمثل هذا البرنامج مادامت لدينا القدرة على إيجاد البدائل. بل كان من الأولى أن تعتذر الوزارة للسفارة عن هذا البرنامج، وتطلب إيقاف ترشيح بحرينيين فيه. باختصار، البحرينيون ليسوا بحاجة لتدريب الأمريكان على الديمقراطية، فديمقراطيتنا ابتكرناها بتوافقنا، وسنطورها بتوافقنا بما يناسب مجتمعنا، وبما يتلاءم وظروفنا وحسب الإطار الزمني الذي نتوافق عليه سواءً كان الآن أم بعد قرن.