المثير في مسألة الطائفية أن الجميع ينتقدها ويتبرأ منها؛ الحكومات، الجمعيات السياسية، المنظمات، الأفراد كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، فمن هو الطائفي إذاً؟ إذا لم أكن أنا ولا أنت، ولا هو ولا هي، ولا هؤلاء ولا أولئك، فمن هو الطائفي؟ أمر مثير بالفعل أن ننتقد الطائفية ونتبرأ منها جميعاً في الوقت الذي نرى فيه بأم أعيننا كيف يعاني مجتمعنا منها، وتؤثر على حياتنا. أحد الظرفاء يقول إن الوحيدين الذين لا يستطيعيون أن ينكروا أنهم طائفيون، بل ويفتخرون بأنهم طائفيون، هم أهل الطائف بالمملكة العربية السعودية، فالمنتمي إلى الطائف لا يمكن إلا أن يكون.. طائفياً! لذا تجده عندما يريد أن يعرف نفسه يقول: «أنا طائفي!» أما الآخرون ومنهم الممارسون للطائفية ليلاً ونهاراً، قياماً وقعوداً.. وعلى جنوبهم فيهتمون بدفع هذه الصفة عنهم والتبرؤ منها، من دون أن ينتبهوا إلى أن كل إنسان لابد أن يكون منتمياً إلى طائفة يجد نفسه متحمساً لها ومدافعاً عنها. يعرف بعض المعاجم «الطائفي» بأنه الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، بينما يصف أحد الباحثين الطائفية في عصرنا الحالي بأنها؛ التمييز بالعمل والمدخول، أو الكره، أو حتى القتل على أساس طائفة الشخص أو دينه.حسب البعض فإن «من حق كل منتم إلى طائفة الدعوة إلى اتباع طائفته وإظهار الأدلة أنها على الحق، ولكن من دون استخدام أساليب الكذب والنفاق للتمويه على ما في منهجها من انحلال واستحلال الحرام والدعوى إلى كراهية المخالفين والانتقام منهم».كلنا طائفيون؛ وكلنا نسعى إلى أن ننكر هذه الصفة عنا رغم أنها مسألة طبيعية؛ انتماء الفرد إلى مجموعة أو طائفة، ومشكلتنا أن الكثيرين منا يتحمسون لما ينتمون إليه لكنهم يأخذون على الآخرين حماسهم لما ينتمون إليه، فيقولون عنهم إنهم طائفيون، ولا يرضون أن يقال عنهم الشيء نفسه.ارتباط مفهوم الطائفية بالدين والمذهب كانت نتيجته اشتعال حروب كثيرة، فالتاريخ مليء بأخبار الحروب الطائفية سواء تلك التي حدثت في أوروبا في العصور الوسطى بين البروتستانت والكاثوليك أو الأرثوذكس والكاثوليك (بيزنطة وروما) أو التي شهدتها بعض البلاد العربية ولاتزال كلبنان والعراق. يقول أحد الباحثين إنه (تم مزج مفهوم «طائفية» ذات المكون العددي مع مفاهيم أخرى ذات مضمون فكري وفلسفي وعرقي ومذهبي فتحول إلى ما يشبه «المصدر الصناعي» ليفند معنى الفاعلية الخاصة بالأقلية العددية والمنفصلة عن فاعلية الأمة، وبذلك أصبح مفهوم الطائفية يستخدم بديلاً لمفاهيم «الملة والعرق والدين» التي كانت سائدة قبل ذلك، واختلطت هذه المفاهيم جميعاً في بيئة متزامنة فكرياً وسياسياً فأنتجت مفهوم «الطائفية» باعتباره تعبيراً عن حالة أزمة تعيشها مجتمعات عربية مثل العراق ولبنان، حيث أصبحت الطائفية مذهباً وأيديولوجيات وهوية حلت محل الهويات الأخرى والانتماءات الأعلى بل وبدأ تتعالى عليها).يضيف الباحث (في معظم الأحيان تكون «الطائفية» السياسية مكرسة من ساسة ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل هو موقف انتهازي للحصول على «عصبية» والوصول إلى السلطة). هذا يعني أن مجرد الانتماء إلى طائفة أو فئة أو مذهب معين لا يجعل الإنسان طائفياً، كما لا يجعله طائفياً عمله لتحسين أوضاع طائفته أو المنطقة التي يعيشون فيها دون إضرار بحق الآخرين، فالطائفي -كما يبدو من التعريفات- هو الذي يرفض الطوائف الأخرى ويهضمها حقوقها أو يكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تعالياً عليها أو تجاهلاً لها وتعصباً ضدها.العيب إذاً ليس في الطائفية بقدر ما هو فينا نحن.. أهلها!
Opinion
نعم.. أنا طائفي!
17 يونيو 2013