تذكروا أن القبض على محرضي العنف لن ينهي أزمة البحرين، فالأزمة ستعود ما دامت منابع الإرهاب موجودة، المعالجة الجذرية التي تحتاج لشجاعة وجرأة وحسم والتي ستصحح الانحراف الأول للمشروع الإصلاحي هي في تجفيف منابع الإرهاب والتحريض عليه.فللتذكير أن حاضنات تفريخ الإرهاب كانت جمعيات سياسية أبقي على ترخيصها رغم مخالفتها للقانون، ومؤسسات سياسية دينية غير مرخصة، ما لم نصحح أوضاع هذه المؤسسات قانونياً فإننا نضيع الوقت ونرقع لا أكثر ولا أقل.منحت الدولة ترخيصاً لجمعيات سياسية قبل صدور قانون ينظم هذه الحقوق، وحين صدر القانون ونص على منع إقامة جمعيات على أسس طائفية، كانت الجمعيات بتشكيلتها مخالفة للقانون وإن لم ينص بذلك نظامها الداخلي ومع ذلك لم تمنع ولم تحل، هذا تحايل وتلاعب تهاونت الدولة فيه وظلت الجمعيات الأربع الوفاق والمنبر والأصالة وأمل محافظة على تراخيصها دون أن تعدل من أوضاعها.اليوم نحن بحاجة لـ»ريستارت» لهذا الانحراف فبسببه تحول العمل السياسي المشروع إلى عمل طائفي جر على البلاد مآسي وأزمات وحدث انقسام بين مكونات المجتمع، لم يحدث طوال تاريخ البحرين وعلى مدى عقدين من الزمان كان فيها الحكم هو الحكم، والناس هم الناس، ولم يستحدث ويستجد علينا سوى قيام أحزاب سياسية قائمة على أسس طائفية.ولأن ما سندعو له هو تعديل أوضاع الجمعيات الدينية أو حلها، بتعديل قانون الجمعيات السياسية بما يحول دون قيام جمعيات سياسية على أسس طائفية، كان يشترط تمثيل المحافظات الخمس في عضوية الجمعية مثلاً، فإنه بناء عليه لابد من حل الجمعيات الدينية السياسية أو تعديل أوضاعها في حال تحايلت على هذه القيود والضوابط.ولأننا نتحدث هنا عن تعديل سيحقق ويخدم الأمن الوطني، فمسؤولية الجمعيات السنية السياسية تحديداً الآن تجاه الأمن الوطني مسؤولية جسيمة، والضغط الشعبي عليها لابد أن يضعها أمام مسؤوليتها الوطنية، بتمرير هذا التعديل سواء تقدمت به الحكومة كمشروع بقانون أو تقدمت به أي من غرفتي السلطة التشريعية. ولأنها خطوة لا يمكن تحقيقها إلا بطريقتين إما الإيثار والتضحية من أجل البحرين، وإما أن تجبر عليها الجمعيات، فإن الحراك الشعبي هنا من سيقع عليه العبء الأكبر في هذه الثورة التصحيحية، علينا أن نعرف أن خلاص البحرين من الاستقطاب الطائفي والتخندق الطائفي يبدأ من تعديلين على قانونين.على مجالسنا وإعلامنا ووسائل التواصل الاجتماعي القيام بحملة ضغط على الحكومة وعلى السلطة التشريعية لإجراء هذا التعديل الذي سيترتب عليه حل الجمعيات الدينية السياسية أو تعديل أوضاعها والذي سيفتح المجال لقيام أحزاب أعضاؤها من المحافظات الخمس ستضطر أن تستجيب هنا لمطالب وطنية مشتركة لا فئوية.التعديل الثاني المطلوب هو إدخال تعديل على «قانون كادر الأئمة والمؤذنين» يحظر فيه بالقانون العمل بالإمامة دون الخضوع لقانون كادر الأئمة والخاضع للخدمة المدنية، ثم إضافة بند حظر ومنع قيام خطباء المساجد والمآتم «بالخطبة السياسية»، وإضافة بند يسن عقوبة مغلظة ومشددة على ذلك واعتبارها جريمة تمس الأمن الوطني وليست مخالفة، ومن أراد من الخطباء أن يعبر عن رأيه السياسي -وهذا حقه كمواطن- فليكن في أي مكان غير دور العبادة، أرض البحرين كلها مفتوحة ضمن الضوابط القانونية، بما ذلك الندوات والمحاضرات العامة أو المقرات الحزبية، وهنا ستخرس ألسنة من يتقول إن هذه دعوة علمانية أو دعوة لفصل الدين أو أو فرجل الدين مواطن عادي وليس على رأسه ريشة. بهذين التعديلين ممكن للبحرين أن تتنفس الصعداء وأن تنتقل فعلياً للدولة المدنية، وهذه قرارات شجاعة تحتاج فيها الدولة أن تخضع لضغط شعبي يدفعها ويجبر كل الأطراف التي ستتضرر أن تخضع للإرادة الشعبية.يبقى بعد ذلك، على مجلس النواب تحريك الأدوات الرقابية لمساءلة الوزراء المتقاعسين عن إنفاذ قوانين كثيرة هي من صميم الدولة المدنية وموجودة في تشريعاتنا لكنها معطلة بقرار سيادي حال دون قيام السلطة التنفيذية باتخاذها، وعلى الحراك الشعبي الضغط على النواب للقيام بدورهم الرقابي في مساءلة الوزراء الذين خولهم القانون اختصاصاً رفع دعوى على القائمين على مؤسسة غير مرخصة كالمجلس العلمائي ولم يفعلوا، وخولهم إيقاف المخالفين من أئمة المساجد والمآتم ولم يفعلوا، بل منحوا رجال الدين حصانة سياسية ضد القانون، وخولهم حق وقف أي تحصيل أموال بلا رقابة مالية كالخمس والزكاة وغيرها من الأموال الدينية ولم يفعلوا.خلاصة هذه النقطة ليس هناك نقص تشريعي يحمي الوطن من استغلال المال الديني والنفوذ الديني للتأثير على الواقع السياسي, بل إن تعطيل وتجميد القانون هو الذي أنتج هذه الفوضى وأعطى هذا النفوذ الكبير لرجال الدين في الحدث السياسي حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.نجاة البحرين في ذلك التعديلين أولاً وفي إنفاذ ما هو معطل من القوانين ثانياً ورفع عباءة الحماية والمواءمة السياسية عن رجال الدين, التي تم استغلالها أسوأ استغلال لا في القبض على مفجر الرفاع أو محرضه فحسب, فهذا كي سريع يوقف النزف مؤقتاً.فبسبب غياب هذه التشريعات وبسبب عدم إنفاذ القانون لقرار المواءمة السياسية, ظهر لنا رجال دين يقودون الجموع من المساجد والمآتم في المظاهرات والاعتصامات, وظهر لنا رجال دين يقودون الجموع للصندوق الانتخابي, وظهر لنا رجال دين يحرضون بل يقودون الجموع في أعمال العنف والإرهاب، وأذرعهم مؤسسات دينية تلبست بلباس سياسي.إن كنا جادين في الانتقال بالبحرين للمدنية فليس الحل في القبض على محرضي العنف فحسب، بل الحل في رفع الحصانة عن جميع تلك المخالفات التي تفاقمت حتى أصبحت جرائم، ولتتخذ السلطة التنفيذية إجراءاتها في تصحيح كل المخالفات القانونية.هذه هي الثورة التصحيحية التي ستعيد قاطرة المشروع الإصلاحي على سكته الصحيحة وستساهم بانطلاقته على أسس سليمة مدنية ديمقراطية.. دون ذلك فنحن نرقع فقط.