حكايات كثيرة موجودة ومتجذرة في الإرث الثقافي البحريني بشأن بعض العوائل التي قدمت إلى أرخبيل البحرين في الماضي في قوارب خشبية من الساحل الفارسي على الخليج العربي، وفي بعض الروايات أنهم جاؤوا في أكياس البضائع مثل السكر والأرز والبصل!دائماً ما تؤخذ مثل هذه الحكايات والروايات على محمل السخرية، أو بشكل عنصري للازدراء بفئة من الناس. ورغم أن الحقبة التي ظهرت فيها مثل هذه الروايات ليست ببعيدة، فهي لا تتجاوز النصف الأول من القرن العشرين أو بعده بقليل، أي تفصلنا عن تلك الحقبة التاريخية فترة لا تتجاوز نصف قرن فقط. هذه الروايات التاريخية تعكس لنا حقيقتين غائبتين، أن أرخبيل البحرين كان منذ القدم بؤرة تستقطب الناس من كل حدب وصوب، بمختلف أدياناهم ومذاهبهم وأصولهم الإثنية. والحقيقة الأخرى، أن تلك الروايات التي تعكس حقائق تاريخية تمت في مرحلة ما قبل تنظيم الدولة البحرينية الحديثة، وتحديداً مرحلة ما بعد الاستقلال في العام 1971، ولكن الدولة حتى الآن لم تعمل على تصحيح مثل هذه الأوضاع والظروف. عندما جاء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك كان الهدف الأساس هو ترسيخ مفهوم المواطنة، فلا يوجد مواطن درجة ثانية أو ثالثة، بل الجميع كان سواسية لهم حقوق وعليهم واجبات كما جاءت في الدستور. ولذلك كانت الخطوات الأهم، وهي السماح بعودة المبعدين في الخارج، ومنحهم الجنسية مجدداً، وجوازات السفر الجديدة التي باتت لا تفرق بين مواطن اكتسب الجنسية أباً عن جد أو اكتسبها حديثاً.هذه الخطوة التاريخية المهمة التي لم يفهمها البحرينيون بعد لم تواكبها ثقافة سياسية جديدة تعزز من مفاهيم المواطنة، ويمكن سؤال أي مواطن بسيط حول نظرته لمن اكتسب الجنسية وأصوله إيرانية؟ ستجد الجواب معروفاً سلفاً. مفهوم المواطنة يسمح لمن اكتسب المواطنة حديثاً أن ينال حقوقه السياسية، ولدينا تجربة «الأخوين» السابقة الذين صارا ممثلين عن شعب البحرين في مجلس النواب. ولكنهما أساءا المواطنة التي نالا شرفها، فأسقطت عنهما الجنسية لاحقاً لأسباب عدة تتعلق بمساس الأمن القومي. الفئات التي قدمت إلى البحرين من إيران وغيرها، لم يتم التعامل معهم بشكل جدي، فلا يمكن لأي دولة أن تمنح حقوق المواطنة لمجموعة من الأفراد وتتركهم دون أن تعمل على دمجهم، ودون أن تراقبهم، وتحاسبهم متى ما أخطؤوا، وتعاقبهم متى ما هددوا كيان الدولة وأمنها القومي وتماسكها المجتمعي، ووحدتها الوطنية.هذه الحالة تنطبق تماماً على الشخصيات التي عملت على نقل تجربة ولاية الفقيه من إيران إلى البحرين وفي مقدمتهم عيسى قاسم الذي نال شرف الجنسية البحرينية بعد أن قدم من الساحل الإيراني في منتصف القرن العشرين. فرغم دخوله في عضوية المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور، ثم دخوله في برلمان 1973، إلا أنه لم يقدر المواطنة البحرينية التي نال شرفها، فعمل بهدوء طوال ثلاثة عقود منذ السبعينات مروراً بالثمانينات والتسعينات على تغلغل أيديولوجيا ولاية الفقيه بين أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، وعمل على تأسيس دولة داخل الدولة البحرينية بتأسيس المجلس العلمائي وهو تنظيم خارج عن القانون يشرف على الأمور الدينية والسياسية ويدير تمويل كافة مؤسسات وشخصيات وأنشطة ولاية الفقيه في البلاد. مثل هذه الفئة لم تحترم المواطنة البحرينية، وليس لها مكان في المجتمع بعد أن تحولت لأداة تفرقة وانقسام وتهديد للوحدة الوطنية، وهي أولى قبل غيرها بالمحاسبة والعقاب. بالمقابل هناك فئات أخرى نالت شرف الجنسية البحرينية، ولكنها لم تسيء يوماً لوطنها البحرين أو مجتمعها أو أحد مكوناته أو حتى رموز الوطن وثوابته.خلاصة القول إن الدولة لم تستوعب الدرس حتى الآن، ليس في منح شرف الجنسية البحرينية، وإنما في كيفية التعامل مع من ينال هذا الشرف لاحقاً، فهو مواطن إذا أساء يحاسب، وإذا تمادى يعاقب، وإذا أصر على الخطأ من الواجب إنهاء مواطنته، فالبحرين التي تستوعب الجميع، لا تستوعب من يحاول هدمها.