حاولت متابعة تصريحات حركة تمرد البحرين لفهم رؤيتهم وخطة عملهم الجديدة، ولكني لم أجد أكثر من الشعارات القديمة التي ما فتئت المعارضة تكررها منذ التسعينات، وحاولت تتبع ردود معارضي حركة تمرد فلم أجد غير شعارات مضادة، وعليه فإننا قد نكون على موعد دائم مع الشعارات نفسها والآلية نفسها للتعبير عنها ولكن بمسميات مختلفة مرة حركة 14 فبراير ومرة حركة تمرد، وستكون المواجهة بالشعارات نفسها وبالآليات نفسها أيضاً.أنا شخصياً لا أتوقع أن تنجز حركة تمرد البحرين أكثر مما أنجزته الحركات السابقة لها من العودة إلى عنف الشارع والتحريض والزج بالشباب والنساء لمواجهة قوات الأمن وعودة دورة الاضطرابات التي باتت سمة من سمات البحرين في السنوات الأخيرة. وأسباب هذا التوقع أن حماس الشارع التابع لحركة تمرد حماس ضعيف مازال يئن من مرارات تجربة 14فبراير التي تجرعها الجميع وقسمت البحرين وأفسدت العلاقات وأضرت بالمصالح.هناك سبب آخر متعلق بالخارج الداعم لحركة 14فبراير ووريثتها الشرعية 14 أغسطس. فأمريكا والغرب والمنظمات الدولية المسيسة في شغل شاغل عن أحداث البحرين، فها هو المشروع الرئيس للشرق الأوسط الجديد يتهاوى في مصر بعد سقوط الرئيس محمد مرسي وخروج التنظيم الإخواني من الحكم في سرعة قياسية، وها هي أوضاع المعارضة في سوريا تتعقد بعد دخول جبهة النصرة والجيش الحر في حرب تكفير وقتل ضد بعضهما وطرد أكراد شمال سوريا لمقاتلي النصرة وإصدارهم بياناً ينفون فيه نيتهم الانشقاق عن سوريا وتكوين إقليم مستقل، فالأوضاع في سوريا صارت ترجح كفة بشار الأسد وتعافي نظامه وقدرته على استعادة الأراضي التي خسرها في العامين المنصرمين. ومؤخراً مقتل المناضل التونسي محمد إبراهيمي بعد أن وقف النظام التونسي عاجزاً عن ردع الجماعات المتطرفة والتعامل معها أمنياً وكبح تمددها. كل هذه الأحداث أثرت على الرأي العام العربي هو الآخر وجعلته يرتاب بل ويرفض أي حراك سياسي يتصدره رجال الدين ويرتبط بعلاقات مباشرة مع أمريكا ودول أوروبا ووسائل الإعلام التابعة لها والمنظمات الأممية التي صارت غالباً ما تصدر تقارير ملفقة ومنحازة. ولكننا نحن في البحرين عجزنا عن إيصال الصورة الحقيقية لجوهر ما يحصل في بلادنا الذي هو امتداد لهذا المشروع الضارب في المنطقة العربية.إذن ستحشد حركة تمرد البحرين جموعها وقد لا تتمكن من التجمع حسب الإجراءات الأمنية التي لم تعلن تدابيرها بعد، ولكن في جميع الأحوال لن يكون الحدث بزخم 2011م، لكننا سنعود لدائرة العنف وحرق الإطارات وسد الشوارع، فإلى متى تبقى البحرين أسيرة هذه الدائرة المفرغة؟ذكرنا سابقاً بعد انتهاء أحداث فبراير 2011م: إنه لا حل لأزمة البحرين دون تقوية الأداء السياسي للجمعيات السياسية التي تعاني من ميوعة شديدة في تكوينها وعملها؛ أدى إلى فشل شبه تام في تعاملها مع الحكومة والمعارضة معاً، وعلى الرغم من انخراط الجمعيات السياسية في جلسات حوار متعددة وفي مواجهات كثيرة مع جمعيات المعارضة إلا أننا لم نطلع لحد الآن على مشاريعها التي ستواجه بها أجندات جمعيات المعارضة، وعلى الرغم من الخبرة غير القصيرة في العمل البرلماني والحكومي فإن تلك الجمعيات لم تعلن لنا عن مشاريعها الإصلاحية للكثير من المشكلات التي تعاني منها الحكومة وتؤثر على خدماتها للمواطنين. ونبهنا سابقاً إلى أن ذلك سيؤدي إلى حالة إحباط في الشارع الرافض لحراك المعارضة وسيؤثر على قضية الالتفاف الشعبي، فقد نجحت المعارضة عبر السنوات الماضية في خلق رموزها وفي سك شعاراتها، وهذا لا يعني أنها تمتلك مشروعاً جاداً فهي أبعد ما تكون عن المشروع الوطني ولكنها أسست أرضية معينة قادرة على استقطاب جزء من الشعب، فكان على باقي الجمعيات بناء أرضية أكثر صلابة وإعداد مشاريع تهدف لحل أزمات المواطنين وقادرة على استقطاب جميع مكونات الشعب، وكان يتعين على الحكومة التعاون مع الجمعيات السياسية لدفع الحالة السياسية البحرينية نحو التقدم والتغيير.أظن الأداء البرلماني في السنوات الثلاث الأخيرة كان الأسوأ، وأظن فاعلية الجمعيات السياسية كان متراجعاً جداً مقارنة باحتياجات المواطنين وبالوعي الذي أصبحوا يمتلكونه، ومقارنة بالحراك السياسي في المنطقة كلها من حولنا، وأظن الأداء الحكومي لم يكن،هو الآخر، في أحسن أحواله؛ لذلك ستبقى مشكلاتنا السياسية والمعيشية نهباً لشعارات كل صاحب أجندات خاصة، وأداة من أدوات خلق الفوضى في البحرين، فالجمود السياسي الذي تعاني منه البحرين هو الثغرة التي نفدت خلالها حركة 14 فبراير وحركة تمرد البحرين و14 أغسطس و14...، و14، ....، وكلها مسميات متعددة لمنتج واحد.
Opinion
كيف نواجه تمرد 14 أغسطس
27 يوليو 2013