لا يمكن أن يمر حدث تاريخي كالجلسة الاستثنائية التي عقدت أمس الأول وأن أبقى في (إجازتي). إنه حدث يستحق أن أقطعها ولوبمقال.بداية لنذكر القراء بأصل الموضوع حتى لا تنجح ماكينة تفريخ الإرهاب وبتعمد أن تشغلنا عنه وتنسينا إياه، لنتذكر أن الجلسة التي دعا لها جلالة الملك عقدت وعنوانها وسببها كان موضوع «الإرهاب» وليس عنوانها موضوع «الشيعة»!فكل توصية وكل خطاب وكل فعل ورد فيها من أولها إلى آخرها كان موجهاً للإرهاب، ولرعاته ولحماته ولمحرضيه ولمرتكبيه، بغض النظر عن جنس ولون وعمر ومذهب أودين الإرهابيين.أعضاء السلطة التشريعية الذين تداعوا للجلسة، إلى جانب كونهم نساء ورجالاً ومن مناطق مختلفة في البحرين كانوا أيضاً سنة وشيعة ومسيحيين، ويهود لهم تاريخهم ولهم مكانتهم وكانوا يتصدون ويتحدثون عن الإرهاب والإرهابيين.فمن تلفظ بلفظ مسيء، ومن صعد بخطابه ومن طالب بتشديد العقوبة يجب أن لا ننسى أن خطابه موجه لمن يرتكب فعلاً إرهابياً، ومن يتبنى خطاباً تحريضياً، ومن يمارس عملاً تضليلياً وليس موجهاً لطائفة.من يحاول أن يجر ذلك الخطاب عنوة وعن قصد وبتعمد ومع سبق الإصرار والترصد، إلى مسار طائفي مذهبي، وهولم يكن كذلك، فيسقط الألفاظ، ويسقط الخطاب، ويسقط التوصيات على الطائفة (الشيعية) ما هوإلا مجرم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ما هوإلا أحد محرضي الفتنة الطائفية وأحد أدواتها وأحد تروس الماكينة التي تفرخ الإرهاب.من أظهر فزعته الأراجوزية على الشيعة، من حاول خلط الأوراق، ومن عنون خبره الرئيس في صحيفته مركزاً على البعد الطائفي، ومن انسحب وهرب من المواجهة و.. وومن أجل جر الموضوع إلى المسار الطائفي ما هوسوى أداة من أدوات الإرهاب، وهذا ما يطرح السؤال الرئيس الذي من أجله عقدت الجلسة، من أين يأتي الإرهاب؟ الإرهاب لا يأتي من كيف تصنع قنبلة، وكيف تفجر سلندراً، الإرهاب يبدأ من كيف تصنع إرهابياً؟ هنا المعضلة هنا الميدان.يرتكب الإرهابي فعلاً إجرامياً يمس أمن وسلامة الآخرين من جراء شعور ملتبس مشكوك فيه بالظلم والاضطهاد، ويحتاج دوماً إلى من يعزز هذا الشعور ويكرسه ويضخمه، الإرهابي يحتاج لصوت خارجي يعمق شكه ويؤكده له، وهذا هودور ماكينات تفريخ الإرهاب، التي تصنع من المظلوم إرهابياً، وهذه الماكينة هي التي خشيت من كشف قناعها أمس ومن تركيز الضوء عليها لذلك قامت وأثناء عقد الجلسة وبسرعة بخلط الأوراق مبكراً، لتستفز الشيعة وتتحصن خلفهم لتحمي نفسها.وكما توقعنا كانت تغريدات أعضاء الوفاق وعنوان صحيفة الوسط في اليوم الثاني منصبة على تحويل مسار الجلسة إلى مسار «طائفي» يلعب على عقدة الاضطهاد والشعور بالظلم وبالنقص لإبعاد الشبهات عنهم أولاً، ولتحفيز مزيد من الأعمال الإرهابية ثانياً، وللتحصن خلف متراس الطائفة ثالثاً، ولننتظر يوم الجمعة حتى تنشط الماكينة الإرهابية بأكبر تروسها التفريخية.منذ عقدت الجلسة وإلى اليوم والماكينة تنشط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال البيانات، ومن خلال عنوان الصحيفة باستفزاز (البيض) الإرهابي، وذلك بتوجيه مسار الجلسة وخطابها وتوصياتها على أنها ضد الشيعة.تم تحويل فحوى الخطاب على أنه موجه للطائفة لا للإرهابيين، تم تحريك شعور عقدة الاضطهاد بالظلم بعقدة النقص بعقدة الاستهداف بأن الاستهداف كان للشيعة لا للإرهابيين.لاحظوا على ماذا ركزت صحيفة ماكينة التفريخ؟ وعلى ماذا ركزت تغريدات وبيانات الجمعية السياسية؟ إن مهمتها هي التعتيم على كل أجزاء الصورة، وتسليط كشاف على جزء صغير منها وتصويره على أن هذا الجزء هوالصورة الكلية.إن هذه «الماكينة» كانت أحد أسباب عقد الجلسة الاستثنائية، فالإجراءات الأمنية والعقوبات كانت كافية للإرهابيين، لكن التشريعات مازالت قاصرة إلى هذه اللحظة عن تحديد جريمة التضليل والتزوير وجريمة التحريض.من يحمل سلاحاً ومن يصنع سلاحاً ومن يخرج للشارع حاملاً هذا السلاح المميت ما هم سوى بيض قد فقس، العقوبات في قانون الجنائيات كافية لردعه، أما ماكينة التفريخ التي تحتضن وترعى الفكر الإرهابي من رجال دين وسياسة وإعلام بهذا الخطاب وبهذه الآلية الفكرية هي الأخطر والأشد فتكاً بالوطن، وما زالت التشريعات بعيدة عن نيلها، والجلسة وتوصياتها يجب أن تركز على هذه الماكينة أما الأداة، أما القاتل، والإرهابي فهوضحية مثل المقتول والمحروق والمصاب، فمن الظلم أن يطال القانون الأداة ويقصرعن نيل ماكينة التفريخ.انظروا لأعمار وللمستوى الفكري لمن يقبض عليهم من مرتكبي الأعمال الإرهابية؟ كيف يقبع هؤلاء في السجون وماكينة تفريخهم حرة طليقة تنعم بأجواء الحرية والديمقراطية والحياة المترفة المنعمة؟اللعب في المساحة المشروعة من الحقوق الدستورية كحق التعبير للعمل على حضانة وتفريخ الإرهاب هوأخطر ألف مرة من تعليم الارهابي كيف يحمل سلاحاً وكيف يقتل به، فالسلاح قد يكون يد الإرهابي أويكون حجراً أويكون سكين البيت أو(سلندره)، إنما كيف تصنع عقلية إرهابية جاهزة، ومتحفزة دون أن تطالك يد القانون هوالأخطر، وهوما ركزت عليه الجلسة. هذه الماكينة هي أخطر ألف مرة وأهم ألف مرة أن تركز التوصيات على معالجتها، وأن تطالها يد القانون، تلك ليست حرية تعبير، تلك حرية تضليل، لابد من تفصيل معنى التضليل ومعنى التحريض في تشريعاتنا، حتى لا تستغل هذه «المكاينة» الحقوق الدستورية المشروعة، وأهمها حق التعبير، استغلالاً إجرامياً إرهابياً تصور فيه حراكاً مجتمعياً مشروعاً لمواجهة الإرهاب على أنه اضطهاد قمعي ضد طائفة وتنجوبفعلتها تلك ويعجز القانون أن يعاقبها؟التوصيات في جلسة أمس الأول يجب أن تعالج هذه الثغرة، وتكشف أخطر جهاز إرهابي مر على تاريخ البحرين، متمثلاً في هذه الماكينة الإرهابية التي تدثرت بعباءة الدين وبعباءة الحقوقيين وبعباءة الإصلاحيين وبعباءة الإعلاميين وبعباءة الديمقراطيين.بالقانون يجب اجتثاث هذه الماكينة، بالقانون يجب أن نعيد المهام الأصلية للمؤسسات الشرعية التي ينتمون إليها وهي التنوير والتوعية وتشكيل رأي عام يدعوللألفة والوحدة والعمل التنموي الجاد، بعد أن استغلت تلك المؤسسات لأغراض التعبئة الفكرية الإرهابية.كيف نميز تشريعياً بين حرية النقد وحرية التعبير وحرية العمل السياسي المشروع من جهة، وبين تضليل الرأي واللعب على الوتر الطائفي والتحريض غير المكشوف من جهة أخرى، تلك هيمهمة الاستشاريين، والخبراء الدستوريين الآن.إن العقوبات التي أوصت بها جلسة أمس التاريخية قد تطال بعض تروس هذه الماكينة وربما تكون الكبيرة منها، والتي أرهقت البلاد والعباد في السنوات العشر الأخيرة، ولكنها لن تقضي على ماكينة تفريخ الإرهاب ما لم تعالج تلك الثغرات القانونية معالجة جذرية تنقذ مستقبل البحرين من نفق الاقتتال الطائفي الذي تسعى له هذه الماكينة، وتحافظ في ذات الوقت على مكتسبات الدولة المدنية الديمقراطية فإننا سنعود إلى المربع رقم واحد.كيف نرفع سقف التعبير وحرية العمل السياسي ونمنع في الوقت نفسه استغلال هذه الحقوق المشروعة وتوظيفها في الشحن والتحريض والتضليل تلك هي مهمتنا وتلك كانت دواعي الجلسة الاستثنائية.