من المتوقع جداً أن نرى موجات الإحباط الشعبي تتوالى بعد أزمة 2011، ولكن ليس متوقعاً أن نرى عدم التفاعل الرسمي مع هذه الموجات، خاصة وأن خطر هذه الموجات يمكن أن يقود إلى حالة احتجاج شعبي عنيفة أخطر من أي حركة احتجاج شعبية شهدتها البلاد.في السابق كانت الأجهزة الرسمية تملك آليات وأدوات فعالة للغاية من أجل توجيه اتجاهات الرأي العام البحريني، ولكنها فقدتها اليوم دون رجعة في ظل هشاشة سيادة القانون، وظل ابتكارات تكتيكية جديدة مثل شبكات التواصل الاجتماعي.ليس التحدي في ظهور شبكات التواصل الاجتماعي واستخدامها من قبل الأفراد في المجتمع فهذا حق من حقوقهم باعتباره شكلاً من أشكال حرية التعبير، ولكن التحدي عدم استثمار هذه الشبكات لاحتواء موجات الإحباط الشعبي المتنامية. فمن يدير اتجاهات الرأي العام تنظيمات أو جماعات عشوائية تلتقي في أفكارها رغم تباين أجندتها وعدم وضوح مساراتها وتقلباتها الدائمة، ولكن هذا الفضاء الإلكتروني الواسع وغير المنضبط مازال يعاني من فراغ قانوني كبير يتطلب الإسراع في سده.بالمقابل، فإن المطلوب هو القناعة بخطورة موجات الإحباط الشعبية، سيما وأن معظمها موجات مفتعلة، ومن السهل التعرف على مراميها. فهذه القناعة مازالت غائبة لدى الأجهزة الرسمية وضحيتها الأولى هو المواطن نفسه.الجهود الرسمية تتركز اليوم على أنشطة رصد اتجاهات الرأي العام فقط دون أن تكون هناك أنشطة تستهدف وضع الأجندة بشكل يقود الجمهور لأهداف معينة.هذا الحال دفع بعض المسؤولين إلى قناعة بأن الرأي العام هو ما يمكن أن يشاهد في تويتر أو الإنستغرام أو حتى الفيسبوك!وبالتالي الصورة الناقصة لأن الرصد سيظهر جانباً محدوداً من اتجاهات الجمهور، في حين هناك جوانب أخرى لا يمكن إكمالها إلا في أماكن أخرى كالصحافة أو المجالس الشعبية.. إلخ.كتاب الرأي في الصحافة البحرينية يعانون منذ عقود من صعوبة التواصل مع الأجهزة الرسمية حتى تحولت العلاقة إلى شكل من أشكال المجاملات الرسمية التي تعتمد على الحساسية المفرطة من أي انتقاد وهو ما يمكن مشاهدته في ردود أفعال الوزارات مثلاً على ردود كتاب الرأي، ودائماً ما تعتمد هذه الانتقادات على إظهار الكاتب بأنه كاذب وعليه تحري الدقة واستقاء المعلومة من مصدرها الصحيح، ومن النادر جداً أن نرى وزارة أو مسؤولاً يعترف بالخطأ أو التقصير!هذه العلاقة المشوهة بين الحكومة وكتاب الرأي تضعف قدرة الأجهزة الرسمية على احتواء موجات الإحباط الشعبي دائماً. موجات الإحباط لن تنتهي إلا عندما يفيق المسؤولون من سباتهم، ويدركون أن المطلوب منهم ليس معالجة أسباب الإحباط نفسه، وإنما إيقاف هذه الموجات الخطرة على الدولة.