يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: (إن من أحب أن يسخر الله له من هو أقوى منه وأغنى فليعن من هو أضعف منه وأفقر، وليضع كل منا نفسه في موضع الآخر، وليحب لأخيه ما يحب لنفسه، إن النعم إنما تحفظ وتدوم وتزداد بالشكر، وإن الشكر لا يكون باللسان وحده، ولو أمسك الإنسان سبحة وقال ألف مرة «الحمد لله» وهو يضن بماله إن كان غنياً، ويبخل بجاهه إن كان وجيهاً، ويظلم بسلطانه إن كان ذا سلطان لا يكون حامداً لله، وإنما يكون مرائياً أو كذاباً).نستغرق في أحيان كثيرة في التضجر والسأم من مواقف الحياة، ونسترسل في التعمق في معان حياتية هامشية مضيعة للأوقات، ونظل نبحث عن ثمرات النجاح عن الآخرين، فيصيبنا حينها طاعون الأرق النفسي، والتيهان الحياتي، والتضجر من موازين القدر، وتخلخل الحروف بحبر المقارنات، واندماج «لو» الشيطانية معها، قف ـ رعاك الله ـ فالدنيا بهذه الأقاويل إنما تأخذك لسبل الغواية، وتفرض عليك أن تعيش بأثقال حياتية مؤلمة، لا هم لك فيها إلا ما عند فلان وماذا وصل إليه غيره!! إننا اليوم بحاجة ماسة لنشفي قلوبنا بـ «حمد الله تعالى»، ونزكي نفوسنا بترانيمها الرائعة، ونرطب ألسنتنا وأسماعنا بذكرها في كل حين، فنسجد شكراً وحمداً لله تعالى على نعمائه، ونرفع أيادينا حمداً لله تعالى وشكراً له على عطاياه.. لقد سخر لنا المولى تعالى كل أسباب الخير وراحة البال وطمأنينة النفس، وأهمها الصحة والعافية والرزق.. فقلبك يؤلمك، وتحبس في عينيك دموع التأثر من مشاهد حياتية موجعة، يلهج حينها لسانك بذكر المولى الكريم، وقال حينها: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه البخاري: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافي في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا). فإن أصبح المرء آمناً في مسكنه من الأخطار ويتنعم بصحبة أهله وعياله، ومعافى من الأسقام، عنده ما يكفيه ليسد به رمقه ورمق أهله، فكأنما أعطي الدنيا بما فيها.. ألا تكفي هذه المعاني بأن نردد في الصباح والمساء، في الغدو والرواح «الحمد لله».. ألا تكفي تلك المعاني الجميلة أن نتأمل في أحوال غيرنا ونتفقد حياتهم، حتى نربي أنفسنا على «حمد الله تعالى وشكره» ونحمده حتى بلقمة نضعها في فمنا.. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها» «رواه مسلم». وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي. فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده. فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟فيقولون: حمدك واسترجع.فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد» «رواه الترمذي». وفي الحديث الشريف عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها»، «رواه مسلم».وكما جاء في شرح الحديث: «فالحمد لله تملأ الميزان يوم القيامة، وذلك لما اشتملت عليه من الثناء على الله سبحانه وتعالى والتبجيل له، لذلك يستحب للعبد إذا دعا أن يقدم بين يديه الثناء الجميل، مما يكون أدعى لقبول دعائه، ثم إن الحمد والتسبيح يملآن ما بين السماء والأرض - بنص الحديث- والسرّ في ذلك: ما اجتمع فيهما من التنزيه للذات الإلهية، والثناء عليها، وما يقتضيه ذلك من الافتقار إلى الله، وهذا ما جعل هاتين الكلمتين حبيبتين إلى الرحمن).إن حمد الله تعالى وشكره كما قال شيخنا الطنطاوي لا يكون فقط بكلمات نهمس بها، فلا بد أن يوازي ذلك حياة زاخرة بالشواهد الربانية، والنفس الخيرة، والقناعة بما سخره الله، والسير في حياة يتوازى فيها السراء والضراء، فهو مسلم قد أيقن أنه بمسعاه في الخير إنما ينشد حمد الله تعالى وشكره في كافة شؤونه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).