حين التقيته بالمعرض الأخير للطوابع في البحرين «المعرض الحادي عشر لهواة الطوابع»، الذي أقامته جمعية البحرين لهواة طوابع البريد، كان شيخاً بثوب الشباب، كان يسير وكأنه فارس ترجل من زمن آخر، كان ينثر وثائق هذا الوطن في ذكريات تؤرخ لأهم حقبة في تاريخ البحرين.حين وقفتُ معه بجانب الوثائق التي عرضها في معرض الطوابع بالمنامة حيث كانت بجانبي ابنتي الصغيرة وهي تسترق السمع عن تاريخ وطنها، كان يلحظ تغير ملامحنا بعد انتهاء قراءته لأي وثيقة معروضة، لأنها وثائق حاسمة لتاريخنا المعاصر لا تقدر بثمن.حين انتهى من عرضه الشيق، لم يكن حينها في الصالة مخلوق غيرنا، فتألم كثيراً حين تيقن أن هذه الهواية العلمية النبيلة لا يلتفت إليها أحد من هذا الجيل. سار مثقل الرجلين وهو يسير ببطء شديد حيث أتعبه الزمن، توسط قلب المعرض الخالي إلا من التاريخ فقال لي شاكياً راوياً متألماً: هل تعلم أنني وفي إحدى المرات التي قمت فيها بعمل خاص جداً في عرض أهم الوثائق التي تخص البحرين بطريقة مشوقة لطلبة الجامعة، لم أجد حولي أحداً يسمعني من أبناء هذا الجيل المتعلم، فالتفتُّ خلفي، وإذا بكل الطلبة يتهافتون على شراء الأكل والشراب وشراء مستلزمات الزينة وعمل الحناء، فقلت في نفسي «الثقافة في خطر».سيرته الذاتية غنية ومثقلة بهموم التاريخ الوطني، إذ لا تسع الكلمات أن نكتب في حقه كل ما جاء في سيرته الجميلة، ففارسنا شارك في أكثر من 42 معرضاً عبر العالم، وحصل خلالها على 27 شهادة، إضافة للأوسمة والهدايا التذكارية، كما إنه يمتلك أكثر من نحو 40 هواية، كلها تتعلق بالتوثيق والذكريات وجمع التاريخ، وله كذلك نحو 10 مساهمات في بعض الإصدارات الثقافية والوثائقية، وعبر كل ذلك حصل على 31 رسالة تقدير مشفوعة بالثناء والشكر من مختلف الأرجاء، كما أجرت وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية نحو 30 لقاء.هذا ما استطعت أن أحصيه على عجالة منه شخصياً، مع توثيق كل حدث بالموعد والتاريخ، وكيف لا وهو أبو التوثيق.حين كان يشرح وثائقه في المعرض، أصابنا الإعياء من الوقوف طويلاً، ومع ذلك، ظل يتحدث ويتحدث كما تحدث فترة أطول مع من كان قبلنا على ما يبدو، فهو حين يتحدث عن تاريخ البحرين الموثق، فإنه يتحدث عن وطن لا يرحل من الذاكرة، فهل عرفتم من نعنيه هنا؟.. إنه الرجل الفاضل ابن المحرق الأستاذ صالح محمد حسن الحسن.تم تكريمه في محافل دولية ومحلية عديدة، كما شغل نفسه بالتاريخ والوثائق والدراسات المصرفية والمالية، لكننا نتمنى أن تكرِّمه الدولة بطريقة تليق بشخص سوَّق للوطن في معارض عالمية جابت الأرض.