يشتكي عدد كبير جداً من المربين ومن المعلمين، الذين يعملون في مهنة التدريس المقدسة، في البحرين من سوء الأوضاع المهنية القلقة التي يتلقونها من قبل الطلبة، فكثير من الطلبة وحتى الطالبات يقومون بإهانة المعلمين عن قصد مع سبق الإصرار والترصد، وحين يقوم المعلم بوضع حد حازم بينه وبين الطالب الذي يوجه له الإهانات، فإنه يهان من قبل إدارة مدرسته أولاً ومن قبل وزارة التربية والتعليم ثانياً.يقول أحد المعلمين؛ حين يقوم أحد الطلبة بالاعتداء علينا، سواء بالقول أو الفعل، فإننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء سوى أن نقوم بكتابة مذكرة باردة للغاية لإدارة المدرسة نشكو من خلالها تصرفات الطلبة المشاغبين، وحين نحاول أن نقف في وجه الطالب، فإننا نتعرّض للمحاسبة من قبل الإدارة والوزارة وأولياء الأمور، ومن هنا فإننا نفضل غلق ملف «الاعتداءات» لو حصل ذلك!بالأمس حين كنا محترمين جداً؛ كان المعلم سلطاناً في المدرسة والشارع، حيث كنا نهابه ونهاب جلالة قدره، لما لهذا الإنسان من كبير الفضل علينا، أما اليوم فإن المعلم لا يتعدّى كونه موظفاً غير محترم من كل الجهات، ولهذا فإن آخر ما يمكن أن يفكر فيه البحريني حين يبحث عن وظيفة في هذه الأيام هو أن يختار مهنة التدريس.بكل جزم، نحن لسنا من دعاة ضرب الطلبة، ولسنا من دعاة عبادة المعلم، لكننا من حيث المبدأ، سنظل نحترم المعلم، ونضعه في دائرة الاحترام الشديد، فحين ترفض وسائل التربية الحديثة ضرب الطالب، فمن الأَولى لهذه الدراسات العصرية أن تحرِّم وتجرِّم ضرب المعلم وإهانته، وذلك من باب قياس الأولويات كما يذهب إلى ذلك المناطقة.إذا كان ضرب الطالب عيباً تربوياً -وهذا هو الرأي الذي دائماً ما نتبناه- فإن ضرب المعلم وإهانته عبر القول والسلوك السلبي يعتبر جريمة وليس عيباً فقط، وذلك لما تفرضه علينا منظومة القيم الأخلاقية في كل المجتمعات البشرية التي تنصف المعلم وتحترمه.يقولون إن سرّ التطوّر الهائل للشعب الياباني أن الدولة هناك أعطت للمعلم راتب وزير ومكنته كما مكنت السلطان، ولذا وجدنا التعليم عندهم راقياً والمعلمين وجهاء والطلبة مبدعين، أما نحن فإنه، إضافة لكون مهمة التعليم مزعجة ومتعبة، إلا أنها لا تصل لمستوى الطموح من حيث المردود المادي والمعنوي.البحرين اليوم في حاجة ماسة جداً لتصحيح أوضاع المعلمين، وليس فقط لتصحيح ساعات التمدرس وترتيب المناهج وتطويرها، فالمعلمون يعانون الأمرَّين في مهنة مشوبة بالهموم وقرحات المعدة، ولهذا يجب أن تتحسن أجورهم وتحمى كياناتهم من كل أذى يواجهونه في مجتمع التعليم، وإلا سيظل كل شيء منخفض الجودة حين يتهاوى بيرق التعليم من يد الفارس المعلم إلى يد طالب يحتقر معلمه.