يعتبر المراقبون في الولايات المتحدة والغرب عموماً، وحتى في الوطن العربي، أن الولايات المتحدة «مرتاحة» لاستمرار القتال في سورية، أي الاقتتال بين قوات الدولة السورية والعناصر المتشددة الإسلامية، خاصة وأن الولايات المتحدة «لا تدفع أي ثمن» بشري أو سياسي أو اقتصادي.هذا الموقف نقضه مؤخراً نائب رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية مايكل موريل، الذي اعتبر أن استمرار الحرب الأهلية وتعاظم وجود المتشددين في سوريا يشكل تهديداً كبيراً ومباشراً على الولايات المتحدة، وبالتالي نرى أن هذه الحرب تشكل استنزافاً للولايات المتحدة على الصعيد السياسي والمعنوي، كما على الصعيد الاقتصادي والأمني. ونستذكر هنا مشهداً مماثلاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً عندما قرّرت إدارة كارتر استنزاف الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، فبعد الحماقة الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق نرى سياسة المحافظين الجدد التي تبنتها إدارة الرئيس أوباما تستنزف قدرات الولايات المتحدة بحروب لا يمكنها أن تنتصر فيها لأنها موجهة ضدّ الشعوب. لكن على ما يبدو ليس هناك من رأي موحد في الإدارة الأمريكية حول التعاطي مع الملف السوري، كما في سائر الملفات الساخنة في المنطقة، سواء كان الملف النووي الإيراني أو ملف الصراع العربي الصهيوني أو الملف المصري أو الملف الليبي أو الملف التونسي.من هنا نفهم حالة الإرباك التي فصلنا أسبابها في عدة أماكن خلاصتها أن الإرباك يعود إلى تفاقم الأزمة الداخلية في الولايات المتحدة، والتي تؤثر بشكل مباشر على صنع القرار الخارجي.فكما أشرنا سابقاً فإن روسيا تعتبر أن الولايات المتحدة يتراجع نفوذها يوماً بعد يوم، وأن حالة ضعفها يصعب في المدى المنظور إيقاف تفاقمها، وبالتالي فإن التفاهم معها مؤجل إلى أن تسلم الولايات المتحدة بالتحوّلات التي تحصل على الصعيد الدولي والإقليمي وتتعامل بالتالي مع القوى الصاعدة كروسيا والصين وسائر دول البريكس من الند إلى الند، فحتى ذلك الحين سيستمر استنزاف الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الدوليون وخاصة الإقليميين الذين يترنحون تحت ضغوط احتجاجات شعوبهم. فبعد تعثر المشروع الأمريكي في العراق ولبنان في حرب تموز 2006 أتت التحوّلات التي أطاحت بـ»كنوز استراتيجيين»، وحتى محاولات استيعاب الحراك الشعبي الذي بدأ في 2011 والمستمر حتى هذه الساعة، فهل تعتبر الولايات المتحدة؟ نذكر هنا بإجابة الجنرال الفيتنامي جياب، الذي هزم عسكرياً الولايات المتحدة، عندما سأل عن رأيه بالولايات المتحدة فقال: «إن الولايات المتحدة تلميذ غير نجيب لا يتعلم من أخطائه»!