العطاء هو أحد القوانين الكونية المهمة التي تعبر تعبيراً صادقاً عن معنى وجود الإنسان على هذه الأرض، وعن معنى استخلافه على هذا الكوكب الخاص بنا، بل هو المعنى المخفي وراء الكثير من الآيات، والتي تحث الإنسان المسلم وغير المسلم على مساعدة الآخرين وخدمتهم دون الحاجة للشكر من الآخرين، ومن أجل أن يسود العدل بين الناس كافة كسيادة الهواء، والذي هو حق البشرية جمعاء، ملاحظين أنه ليس كل فرد منا قادر على أن يكون كما هو الشخص الآخر، خصوصاً إذا كان المخدوم لا يملك الإمكانيات الجسدية والذهنية التي تؤهله للحصول على قوت يومه. ولنا في التراث الإنساني الكثير من المواقف التي تجعل القارئ يحترم الذين يخدمون ويجلهم كل الإجلال، ومن أحد القصص الإسلامية قصة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مع الخليفة الأول أبي بكر الصديق، تقول القصة كما نقلها لنا التراث الإسلامي..في أحد الأيام كان عمر يراقب أبا بكر الصديق في وقت الفجر وشد انتباهه أن أبا بكر يخرج إلى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر ويمر بكوخ صغير ويدخل به لساعات ثم ينصرف لبيته، وهو لا يعلم ما بداخل البيت ولا يدري ما يفعله أبو بكر الصديق داخل هذا البيت، لأن عمر يعرف كل ما يفعله أبو بكر الصديق من خير إلا ما كان من أمر هذا البيت الذي لا يعلم عمر سره !!مرت الأيام وما زال خليفة المؤمنين أبو بكر الصديق يزور هذا البيت ومازال عمر لا يعرف ماذا يفعل الصديق داخله، إلى أن قرر عمر بن الخطاب دخول البيت بعد خروج أبي بكر منه ليشاهد بعينه ما بداخله، وليعرف ماذا يفعل فيه الصديق رضي الله عنه بعد صلاة الفجر!!حينما دخل عمر في هذا الكوخ الصغير وجد سيدة عجوزاً لا تقوى على الحراك، كما إنها عمياء العينين، ولم يجد شيئاً آخر في هذا البيت، فاستغرب ابن الخطاب مما شاهد! وأراد أن يعرف ما سر علاقة الصديق بهذه العجوز العمياء!.سأل عمر العجوز: ماذا يفعل هذا الرجل عندكم؟ (يقصد أبا بكر الصديق)فأجابت العجوز وقالت: والله لا أعلم يا بني، فهذا الرجل يأتي كل صباح ينظف لي البيت ويكنسه، ومن ثم يعد لي الطعام وينصرف دون أن يكلمني!!جثم عمر بن الخطاب على ركبتيه وأجهشت عيناه بالدموع وقال عبارته المشهورة: لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر. هذه القصة الواقعية التي تشبه ما تنقله الأساطير تعطينا مجالاً واسعاً للتصور غير المحدود عن سر العطاء، والذي لا يمكن أن يتباهى به العاطي، أي أن تعطي بيمينك ما لا تعرفه يسارك، وتعطي بيسارك ما لا تعرفه يمينك، بسرية تامة وبصمت كامل. فأنت هنا لا تريد من الآخرين أن يشكروك على ما تقدم من خير لمن يحتاج إلى شيء من هذا الخير، أنت لا تريد أن تتباهى بعملك، فما تقدمه خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى في نفس الوقت الذي تقوم قيه بأداء شيء بسيط مما خلقت له، أو إكمال الرسالة والمهمة السماوية التي أرسلت إلى الأرض من أجل إيصالها والقيام بأدائها على أكمل وجه. إن مقولة ابن الخطاب عن أبي بكر هي من المقولات التي يجب علينا جميعاً أن نضعها أمامنا ونحن نسير في رحلة الحياة، لنتذكرها معاً وفي كل الأحوال.. «لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر».
Opinion
اتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر
17 أغسطس 2013