حينما أرادت الولايات المتحدة القضاء علــى الإرهاب –حسب زعمها– اتجهت لضــرب مواقع قيادات القاعدة وطالبان، ووصلت لغزو أفغانستان واحتلال العراق، حولت معتقــل «غوانتنامو» لأسوأ بقعة على وجه الأرض من تعذيب وتنكيل وسجن بلا محاكمات، وحينما أنهت مسيرة أسامة بن لادن قامت بقتله دون محاكمة أو قبض، بل كان الأمر بأن رموا الرصاص بهدف القتل.الولايات المتحدة التي تدعي دفاعها عن الحقوق وبالأخص حقوق الإنسان، لم تلق بالاً لأي شخص، لم تكترث حتى بالأمم المتحدة حينما أرادت اتخاذ خطوات تحت شعار «حماية الأمن الأمريكي»، بغض النظر عن الأهداف الاستراتيجية الأخرى، لكن واشنطن فرضت نفسها فرضاً على العالم بحيث باتت قراراتها لا يقف أمامها حتى العالم مجتمعاً.لسنا نضرب مثالاً بالولايات المتحدة كمثال إيجابي يحتذى به، لكنها الفكرة في مسألة السيادة والهيبة، والتي قد توصل أي طرف للتحكم في مقدرات العالم بأسره لمصلحته.اليوم حينما يطالعنا السفير الأمريكي بخطابات فلسفية بشأن البحرين ووضعها الداخلي ومسألة تطبيق الأمن وحماية المجتمع من الإرهاب، لا يجب أبداً قبول كلامه هكذا والتسليم به دون مناقشة، أقلها عليه أن يوضح للجميع لماذا تقبل الولايات المتحدة لنفسها القيام بأي شيء يتخطى الأعراف والقيود حينما تمس المسألة الأمن الأمريكي بينما في نظر الأمريكيين أنفسهم القيام بربع ما يقومون به من قبل الدول الأخرى يعتبر تجاوزاً للأعراف وضرباً للمواثيق الدولية؟!الكيل بمكيالين سياسة أمريكية قديمة، استخدمت في الماضي وستظل قائمة في المستقبل، فمن يضع خارطة العالم أمامه ويخطط مستقبل الدول ويختار من يثار فيها الغبار ومن يقلب عاليها إلى أسفلها غير الأمريكيين؟!لكن رغم ذلك، فإن للأمريكيين مصالح وحسابات تدفعهم للتراجع عن كثير من المواقف بالأخص الرهانات الخاسرة، ما حصل في العراق استنزف الأمريكيين لسنوات، ودفع الجنود الأمريكيين وعوائلهم الثمن تحت مسمى «الدفاع عن التراب الأمريكي» رغم أن هذا الدفاع لا يحصل على الأراضي الأمريكية بقدر ما يحصل على أراض أجنبية دخلتها القوات الأمريكية واستفاد الاقتصاد الأمريكي من ثرواتها الطبيعية.البحرين لها حق حالها حال أي دولة في العالم بتطبيق قوانينها وصون أمنها القومي، حتى لو كانت إجراءاتها تزعج بعض المصنفين تحت خانة «الأصدقاء» خاصة ممن كان لهم يد في دعم من يمارسون الإرهاب لدينا ويتفنون في ألوان التحريض ولعبوا دوراً في محاولة الانقلاب.إن كانت الدولة الصديقة بالفعل ترتبط معنا بعلاقات «صداقة» لا علاقات «مصالح» لدعمت إجراءات البحرين بقوة خاصة وأنها نفسها عانت من الإرهاب، لكن في الموقف الأمريكي هناك نقاط غير واضحة تبين أن الأمريكيين لديهم «حسبة» بشأن البحرين تماثل الحسبة التي حصلت في مصر، وتكشف بأن الرهان الأمريكي كان خاطئاً تماماً.الموقف البريطاني من البحرين بات يسير في اتجاه لا يتقاطع مع الموقف الأمريكي، بريطانيا تمتلك معرفة أكبر بالبحرين وطبيعتها، تمتلك علاقات تعاون «حقيقية» على الأرض، ووجود خبير أمني بريطاني يعمل مع أجهزة الأمن البحرينية ويرى بعينيه ما يحصل هنا، لعب دوراً في بيان الوضع على حقيقته لأصحاب القرار في بريطانيا، بالتالي ليس غريباً أن يكون التعامل البريطاني إيجابياً مع البحرين، في ظل استمرار الاستغراب من الموقف الأمريكي رغم وجود نشاط ملحوظ للسفير هنا، ورغم معرفته بما يحصل من إرهاب وفوضى.من يحرصون على تعزيز علاقات الصداقة سيضايقهم انتقادنا للسفير الأمريكي رغم أن أفعاله تستوجب الانتقاد، فهو حول بلادنا لما يشبه باحة خلفية يجرب فيها تكتيكاته السياسية.عمومـــاً، ما نحتـــاج سماعـــه إجابة صريحة وواضحة منه بشأن ما إذا كانت الوفاق وجماعتهـــا ممـــن يحرضــون ويحمــون المخربين والإرهابيين، ما إذا كانوا في واشنطن وليس البحرين وقاموا بما يقومون به، هل ستتعاطى واشنطن معهم مثلما تفعل البحرين؟!لا نريد إجابات ملتوية تتحدث بأن هناك أموراً نسبية وأن المقاربة صعبة، أو أن الولايات المتحدة متقدمة في الحقوق والحريات بما ينفي وجود جماعات راديكالية تحارب النظام، لا نريد ذلك لأننا تابعنا ما حصل فـــي «وول ستريت» وكيف أن الناس الذين انتقدوا النظام الاقتصادي وظلمه لحقوق العامة «حملوا» على أكتاف الشرطة بعد أن قيدت أياديهم ووجوههم ملتصقة بالشارع.نعرف أنه لا أحد يريد إغضاب الجالسين في البيت الأبيض والأفضل كسبهم حلفاء، لكن هذا لا يعني أن يترك الحبل على الغارب لممثل البيت الأبيض ليفعل في بلادنا ما يشاء.والله لو فعل الإرهابيون هنا ما يفعلونه في البحرين هناك في واشنطن لكان مصيرهم في غوانتنامو لا محالة!