ربما لم يشهد تاريخ الولايات المتحدة تحدياً رهيباً في ما يتعلق بضخامة الدَّين مثلما يشهده اليوم، وهذا المأزق الاقتصادي المدوي قد يدخل الولايات المتحدة في دوامة، وربما تؤدي إلى تخلخلها ومن ثم سقوطها.كلنا يعرف أن النظام الرأسمالي هو المنظومة الاقتصادية التي ترتكز عليها واشنطن ومعها غالبية دول أوروبا، وبما أن للاقتصاد، كما للسياسة، دورات تكتمل ثم تنتهي، أو حركة حياة تبدأ بعنفوان من ثم تشيخ، يبدو أن الرأسمالية في طريقها إلى الانهيار التام، كما سقطت قبلها كثير من المنظومات الأخرى، لعل آخرها المنظومة الشيوعية إبان تفكك الاتحاد السوفيتي مع بداية تسعينات القرن الماضي.إن الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بدأت قبل أعوام خلت، تلك التي ضربت الغرب، كل الغرب، في مقتل، ولأن الكبرياء والتغطرس سمة تلك الجهة المتوحشة، لم تفكر حتى اليوم الاعتراف بانتهاء عصر الرأسمالية الحاضرة، ولم تفكر في خلق نظام اقتصادي جديد كلياً، أو حتى أن يكون في ثوب «رأسمالية جديدة»، أو بإشاعة أي نظام اقتصادي جديد من شأنه أن يخرج أمريكا وأوروبا من عصر الإفلاس العالمي المريع.والحال هذا؛ يمكن لنا أن نفسر كثيراً من الظواهر السياسية المعاصرة التي بدأت تبشر بها واشنطن في منطقة مليئة بالتخلف والثروات، تباشير ربيع سياسي غريب الأطوار كفيل أن يسقط الشرق في دوامة صراعات سياسية ودينية وطائفية، معجونة كلها بالفقر والتجهيل والإلهاء والدم، حتى يتسنى للغرب سرقة نفطنا وخزائننا وتاريخنا وفلسفتنا وشرقنا كله.إن الصراعات السياسية التي تحدث وستحدث في عالمنا العربي، كلها من أجل أن يعوِّض الغرب خيباته الاقتصادية وعجزه عن سداد ديونه، أو تحريك عجلة مصانعه عبر ركود عالمي لم يشهده الكون من قبل.الحروب والنزاعات الطائفية والإثنية في دول مهلهلة أصلاً، تعني لأمريكا الكثير، فهي فرصة لسرقة النفط من تحت أقدام الفقراء «العراق نموذجاً»، وفرصة لتشغيل مصانع الأسلحة وبيعها عن طريق كبار السماسرة اليهود، وكذلك تحريك دفة المصانع الميتة هناك عبر حزمة من القوانين العالمية الجائرة، وأخيراً وبعد كل هذا الوجع الشرقي والجشع الغربي، من الممكن جداً أن يخطب أوباما من وسط أي عاصمة عربية وكأنه نبي سلام، يبشرنا بمستقبل زاهر حين نظل وإلى الأبد في حضن أمريكا! هذا هو الواقع، وهذه هي تداعيات الأزمة المالية العالمية على الشرق، وكل ما تقوم به أمريكا لم يعد سوى ترقيع نظامها المتهالك عبر حزمة من السياسات الرعناء في المنطقة، ولتغطي عوراتها من الداخل المنهار اقتصادياً، تقوم بافتعال النزاعات في شرقنا البائس أصلاً، ومن هنا فهي تمارس دور الساقطة التي تنصح الناس بالشرف، فقط لأجل تسديد ديون استخدمتها في تعزيز نفوذها عبر العالم، ومع كل ما صرفته واشنطن لأجل هذا المكر السيئ، تأتي دولة من الخلف «روسيا»، لتحل محل أمريكا في المنطقة، لتصبح هي الدولة العظمى على أرض الواقع، أما الدَّين الأمريكي، فإنه مازال يسجل أعلى مستوياته، وكما قال العرب من قبل «ذهب الحمار يطلب قرنين فعاد مصلوم الأذنين».