في عام 1050م أسست مجموعة من التجار الإيطاليين مستشفى القديس يوحنا بالقرب من كنيسة القيامة في القدس لرعاية الحجاج المسيحيين القادمين من أوروبا، وبعد استيلاء الصلبيين على القدس أقام رئيس المستشفى جيرارد دى مارتيز تنظيماً منفصلاً أسماه رهبان مستشفى القديس يوحنا، وهؤلاء بحكم معرفتهـــم بأحوال البلاد قدموا مساعدات ومعلومات قيمة للصلبيين عند دخولهم لبلاد العرب، وهو ما جعل ريموند دوبوى يحولهم فيما بعد لنظام عسكري بمباركة البابا أنوست الثاني 1130م، وأصبح ذلك النظام تحـــت رعاية الكرسي الرسولي مدعومين من تجار أمالفي وحكام البروفانس حتى ازداد نفوذهم بقوة وأصبحوا كنيسة داخل الكنيسة، وأصبح يشار لهم باسم الفرسان الهوسبتاليين، ويتكونون من ثلاث فئات؛ فرسان العدل وهم النبلاء، ورجال الدين، والأطباء والممرضون.وبعد انهزام الحملات الصليبية في الأراضي العربية انتقلوا إلى قبرص، ومن قبرص استمروا في مناوشة العرب والقرصنة على سفنهم، وهناك خطط رئيسهم «وليم دي فاليت» لاحتلال رودس، وبالفعل أخذها أخوه «توك دي فاليت» من العـــرب في 1310م، وفي رودس طالت قراصنتهم سفن الأتراك، وهو ما أجبر الأخيرين على حصار رودس حتى استسلم رئيس الفرسان «فيليب دي ليل ادام» عام 1522م، وانتقلوا بعدها إلى سيفليل إسبانيا وكاندي سيلان وروما إلى أن منح الملك شارل الخامس للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطا في 24 مارس 1530م. استطاع رئيسهم «جان دي لافاليت» أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين وأن يبني مدينة فاليتا (عاصمة مالطا حالياً) واستقروا بها إلى أن طردهم نابليون بونابرت معتبراً مالطا موقعاً استراتيجياً لا غنى عنه، ولكي تكون نقطة انطلاق لحملته المتجهة لمصر عام 1798م.ومنذ 1834م ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفة رسمية باسم العمل الخيري، وأخذت مع مرور السنوات فـــي التوسع حتى فتحت جمعية لها في أمريكا 1926م. والآن تقيم المنظمة علاقات دبلوماسية مع 150 دولة ولها سفارات فــي دول عربيـة وهي: الأردن، الســـودان، لبنان، موريتانيا، المغرب ومصر، وأكثر من 20 دولـــة إسلامية. و يعمل لديها أكثــــر من 890 ألف فرد، علماً بأن منظمة مالطا ليس لديها سفارة في إسرائيل، وعندما حاول الفرسان مجدداً أن تكون لهم سفارة بإسرائيل رفض شمعون بيريز ذلك بشدة.وعندما صرح بوش الابن ببداية الحروب الصليبية متجهاً نحو العراق تحركت معه فرسان مالطا، والتي يعد بوش الأب والجد أحد أبرز أعضائها، ولم تكن القوات الأمريكية وحدها عند اقتحامها للعراق؛ بل تسللت تحت راية فرسان مالطة مرتزقة «بلاك ووتر» بعد حصولهم على جوزات سفر دولة فرسان مالطة مما مكنهم من دخول العراق بسهولة، كما ذكر الصحافي الأمريكي جيرمي سكايل، حتى أصبحت سفارات الفرسان مدخل لدخول كل الجيوش المرتزقة لأي دولة، كما أن «ايرك برنس» مؤسس البلاك ووتر، هو عضو في تنظيم فرسان مالطا، وإذا تطلعنا لأبرز أعضاء تلك المنظمة فسنجد من الملوك والرؤساء طابوراً طويلاً وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وخوان كارلوس ملك إسبانيا الحالي، واليزابيث ملكة بريطانيا وديستان رئيس فرنسا الأسبق. ففي الوقت الذي يصرح فيه «ماثيو فيستينج» الأستاذ الأكبر لمنظمة فرسان مالطا بكل براءة أن رسالتنا الوحيدة هي رسالة طبية وإنسانية فقط، لا تسطيع أن تصل إلى أي معلومة بخصوص تمويل تلك المنظمة على الإطلاق. وأنا الآن لم أعد أبحث عن مصادر تمويلها وحقيقة عملها في الدول العربية، خصوصاً بعد عواصف الربيع العربي، فقط بقدر بحثي الآن عن وطن وشعب اسمه فلسطين لا يعترف به العالم في الوقت الذي يعترف العالم بدولة ليس لها أرض أو حتى شعب.كاتب وباحث بقضايا الشرق الأوسط