ما كتبه الرئيس الإيراني الجديد روحاني في صحيفة «الواشنطن بوست»، لم يكن مجرد مقال بقدر ما هو حزمة من الرسائل، في مقدمتها رسالة إلى واشنطن، وهي متعلقة بما قاله عن المواقف الراديكالية التي اتسمت بها ثقافة الحرب الباردة، والتـــي تتلخـــص في «الكل أو لا شيء»، وهذا بحد ذاته يخفف من النبرة المتوترة التي دأبت عليها إيران، وإن كان الرئيس محمد خاتمي الذي أصدر كتباً عدة حاول أن يظهر بصورة المثقف الآسيوي الذي تشحن رؤاه حكمة شرقية، وبالفعل كان خاتمي قد تقــدم خطــوة علــى طريق الدولة الحديثة، والبرغماتيـــة لا الأيديولوجية، عندما عقد صفقات منها التخلي عن هدر دم الكاتــب سلمـــان رشدي، لكن جمهورية خاتمي انتهت إلى صراع بين تيارين، أحدهما إصلاحي ينحو باتجاه التحديث، والآخر أصولي اتباعي مؤدلج حتى النخاع.ومن قرؤوا مقال روحاني في «الواشنطن بوست» أو استمعوا إلى خطابه بدت لهم المسألة كما لو أن هناك قطيعة وشيكة، الإعلان بين إيران ما قبل روحاني وإيران خلال حكمه، خصوصاً أنه أتى إلى السلطة بعد أحمدي نجاد الذي صنف في الغرب الليبرالي على أنــه راديكالي في مجمل مواقفه المحلية والإقليمية والدولية، واعتبر ما قاله عن الهولوكوست والحكم بالإعدام على الدولة العبرية بمثابة تمهيد لعزلة إيرانية شبه كاملة.وبالفعل مر وقت كانت فيه إيران شبه جزيرة سياسية ودبلوماسية، لكنها ليست محاطة بالماء من الجهات الثلاث والجهة الرابعة هي اليابسة، بل أحيطت بالخصوم باستثناء جهة الشام سواءً كانت النظام الحاكم في دمشق أو حزب الله الذي يعد ضاحية سياسية نائية لطهران.نتنياهو سارع إلى وصف روحاني من خلال ما قاله على أنه ذئب في صورة حمل، بينما قال عن سلفه نجاد إنه ذئب في صورة ذئب، وهذا بحد ذاته من حصاد الشيطنة المتبادلة لعقود عدة بين أمريكا و«إسرائيل» من جهة، وإيران من جهة أخرى.وبعيداً عما قاله نتنياهو أو ما عقب به مؤخراً وزير الخارجية الأمريكية، فإن جمهورية روحاني لن تكون ثورة على الثورة، ولن تبدأ من سطر جديد خارج النص الأيديولوجي لنظام ذي مرجعية دينيــة لا تقبــل التخطـــي أو التجـــاوز، فإيران أقرب إلى النظم الثيوقراطية، والمتاح أمام روحاني في جمهوريته الجديدة كمي وليس نوعياً أو كيفياً، سواءً تعلق الأمر بإذابة شيء من الجليد مع واشنطن أو باسترضاء «تل أبيب» من خلال الاعتراف بأن الدولة العبرية ليست مجرد كيان هجين أو سرطان يجـب استئصالــه من أحشـــاء الشـــرق الأوسط.لكن صدقية روحاني في أطروحاته التي تبدو أكثر مرونة من سابقيه تبقى على المحك في ما يتعلق بثلاث قضايا علــى الأقل هي ما يجري في العراق الذي مزقته الطائفية، والجزر الثلاث المحتلـة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأخيراً ما يتعلق بالداخل الإيراني وما تتعرض له بوصلة الإصلاح من عواطف.جمهورية روحاني تقدم وعوداً، والعالم بالرغم من شكوكه ينتظر ترجمتها ميدانياً.- عن «الخليج» الإماراتية
Opinion
جمهورية روحاني
14 أكتوبر 2013