تنبع أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات من حقيقة أن أعمال الشركات ومصالحها، وبالتالي نجاحها وازدهار أعمالها، ليس بمعزلٍ عن المجتمع وقضاياه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وبالتالي فإن إسهام الشركات في التنمية المستدامة للمجتمع سيعود بجملة من الفوائد على الشركات والمؤسسات، وسيسهم في تطور البيئة المحيطة بها والتي هي في المحصلة بيئة موظفي هذه الشركات والعاملين فيها وأسرهم.من هنا؛ تنامى الوعي العالمي بأهمية المسؤولية الاجتماعية، وبدأ المتخصصون في صياغة أطر عامة لتنظيم أسسها وتطوير أساليبها وتوسيع نطاقاتها، وتكلل ذلك كله بإطلاق الأمم المتحدة ما سمي «بالمبادئ العشرة»، التي تطلب من الشركات التجارية أن تتحمل مسؤوليتها بسن وتشريع وتأييد حزمة من القوانين المتعلقة بأربعة محاور:- المحور الأول: ويتضمن مبدأين وهما حالة حقوق الإنسان؛ بحيث تكون الشركات مؤيدة وداعمة لها من جانب وغير منتهكة لها من جانب آخر.- المحور الثاني: المتعلق بالعمل، ويتضمن أربعة مبادئ كتلك الماسة بعمالة الأطفال والقضاء على كافة أشكال السخرة والتمييز، ومراعاة الاشتراطات الدولية في بيئة العمل والأجور والأمن والسلامة وضمان حرية تكوين الجمعيات العمالية. - المحور الثالث: المتعلق بالبيئة، ويتضمن ثلاثة مبادئ كتشجيع التكنولوجيا غير الضارة بالبيئة وتوسيع نطاق المسؤولية عن البيئة والقيام بالإجراءات الاحترازية لحماية البيئة.- المحور الرابع: المتعلق بمكافحة الفساد والرشوة والابتزاز.ومن هنا لم يكن مستغرباً أن تتجاوز ميزانية المسؤولية الاجتماعية لكبرى الشركات ميزانية عدة دول نامية مجتمعة، حيث تعمل تلك الشركات على تمويل مشاريع تنموية وتعليمية وصحية في قارات العالم المختلفة، وتضخ المليارات على المعاهد البحثية المختلفة، وبالمقابل تقوم الدول الكبرى بتقديم خصومات ضريبية وتسهيلات اقتصادية بحسب اهتمام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية واتساقها مع السياسات المعلنة لدولها باعتبارها أذرعاً معاونة تساهم بشكل فاعل وبناء في تطبيق تلك السياسات.أما في دولنا العربية فمفهوم المسؤولية الاجتماعية ما زال في طور الاستكشاف ومحاطاً بنظم اقتصادية تراكمت عليها المشكلات الكبرى؛ كالأمية والفساد، وأسست لعقود طويلة لاقتصاد رعوي يعتمد المواطن فيه بالكلية على الدولة في توفير رغيف خبزه ومسكنه وتعليمه وتشغيله، وتعاني من مشكلات تنموية كالانفجار السكاني وعدم تطابق مخرجات التعليم مع متطلبات أسواق العمل، ومحاطاً بأنظمة اجتماعية تعلي مبادئ الصدقة والإحسان على حساب التكامل بين أضلاع المربع المجتمعي الذي يشمل؛ الدولة والمجتمع والشركات ومؤسسات المجتمع المدني، لوضع سلم أولويات يسهل على المؤمنين بالمسؤولية الاجتماعية المساهمة بواجبهم في خدمة مجتمعاتهم وفق خطط واستراتيجيات ذات أهداف طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى، وضمن مشاريع وطنية محددة تحسن البيئة المحيطة بتلك الشركات، وتشعر المجتمع المحيط بها أنها جزء غير منفصل عنه وعن مشكلاته وقضاياه، الأمر الذي يعزز ثقة المتعاملين معه من كافة شرائح المجتمع ويخلق أجواء إيجابية تعود بالنفع على الجميع.