الحقيقة الوحيدة التي يمكن تأكيدها في سوريا فيما يخص قتل المواطنين السوريين بالكيماوي؛ هي أن هناك أكثر من ألف وثلاثمائة مواطن سوري جلهم من النساء والأطفال انتهت حياتهم نتيجة تعرضهم للقنابل الكيماوية، وأن من نجا منهم سيظل يعاني من آثار ذلك السلاح غير الحضاري وغير الإنساني، فهذا أمر شاهده العالم كله عبر الفضائيات ورأى كيف تعذب أولئك قبل أن يسلموا أرواحهم إلى بارئها، أما الحقائق الأخرى فضائعة، حيث سيستمر الفريقان الأساسان في الصراع بسوريا في تبادل الاتهامات وسيسعى كل طرف منهما جاهداً إلى تبرئة نفسه من هذا الجرم المدان عالمياً. ما حدث مباشرة بعد اللحظة التي أعلن فيها عن مقتل هذا العدد من السوريين بالكيماوي، إضافة إلى سعي كل طرف لتبرئة نفسه ومحاولة إلصاق التهمة بالآخر هو أن الدول التي كانت قد اتخذت من الأساس موقفاً من نظام الأسد سارعت بإدانة النظام ودعت مجلس الأمن للانعقاد فوراً لاتخاذ قرار سريع بمعاقبته. بينما سارعت الدول والجهات المؤيدة لنظام الأسد إلى نفي التهمة عنه والتبرع بالدفاع عنه حتى قبل أن ينجلي غبار الكيماوي عن أرض الجريمة. الأمر نفسه حدث مع مدمني التغريد، حيث دافع البعض عن بشار الأسد بشراسة واعتبروه منذ اللحظة الأولى بريئاً براءة الذئب من دم ابن يعقوب، في حين دافع البعض الآخر عن الطرف الآخر بالطريقة نفسها. ففي مثل هذه الأحوال ينحاز كل طرف لمن هو محسوب عليه ومتحمس له، والحقيقة تضيع، بينما من خسر حياته خرج من الدنيا مظلوماً وغالباً يكون حقه قد ضاع. روسيا وإيران وحزب الله لم يترددوا لحظة عن القول إن الفاعل هو المعارضة وكل من يريد ببشار الأسد سوءاً ويتخذ منه موقفاً سالباً، بل إنه قيل إن روسيا صار لديها الدليل على أن الصواريخ الحاملة للكيماوي أطلقت من مناطق يسيطر عليها الجيش الحر وأن هذا أثبتته الصور الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية! وهكذا قالت إيران ولبنان وردد المغردون المنحازون من ورائهم، أما الدول التي تقف في الجهة الأخرى فلم تتردد عن اتهام النظام بلجوئه إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، ولعلهم اعتبروا ذلك فرصة للحديث عن استصدار قرار دولي لضربه والقول إنهم يسعون لوضع حد لما يجري، فليس أفضل من هذه الفرصة لبيع الآمال. أما المحصلة النهائية، فكانت أنه لا هؤلاء عرفوا أن يثبتوا براءة نظام بشار من هذا الجرم ولا أولئك عرفوا تثبيته عليه، والنتيجة هي ضياع حق الأبرياء الذين أبيدوا كما تباد الحشرات من دون أي اعتبار للأخلاق والقيم.الخارجية الصينية وفي محاولة واضحة كي لا تبدو أنها تواصل طريق روسيا في دعمها لنظام الأسد (وربما تنفيذاً لدور متفق عليه) دعت كل الأطراف إلى عدم استباق الحكم في التحقيق الخاص باستخدام الكيماوي. أما أوباما الذي بدا متحمساً ومستبقاً للأحداث، فقال إن ثبوت استخدام النظام السوري للكيماوي سيكون قضية كبيرة، وكأن الأمر سيعتبر عادياً لو ثبت أن المتورط غيره.كل ما قيل من تصريحات مؤلم لأنها لن توصل إلى الحقيقة، أما المؤلم أكثر من كل هذا فهو ما قيل عن أن بعض السوريين احتفلوا بتوزيع الحلوى بمناسبة ضرب أهل الغوطة بالكيماوي!ما سيتم في موضوع جريمة الكيماوي هذا هو أن لجنة سيتم تشكيلها للتحقيق، اللجنة لن تصل إلى نتيجة مؤكدة، وسيتعاون المجتمع الدولي على جلب نقطة ليتم وضعها في نهاية السطر لإغلاق الموضوع، أما الذين خسروا حياتهم بهذه الطريقة البشعة فسيظلون شهوداً على «كيماوية» مجتمع دولي تحكمه مصالح سياسية لا تعرف معنى للقيم الإنسانية وبعيد عن التحضر الذي يتشدق به.