أثار مشروع قانون المرور الجديد في البحرين جدلاً واسعاً في الشارع البحريني كله، حيث صدمت الأرقام التي طرحها قانون المخالفات كل من سمع بها، لأنها باتت تلامس رواتب المواطنين الشهرية، والتي عادة ما تُستخدم في الأمور الضرورية وليست الكمالية، حتى تجاوز سقف مبالغ كثير من المخالفات المرورية الجديدة رواتب غالبية البحرينيين.في الواقع يظل الحُكم على القانون الجديد محيراً للغاية؛ فحتى المواطن الفقير الذي لا يمكنه قبول مبلغ مخالفات القانون الجديد، يقع في حيرة بين رفضه وقبوله لها، لأن ما نسمع به وما نشاهده كل ساعة، بل وكل دقيقة، من حوادث مميتة ومروعة في شوارعنا الصغيرة، تعطينا انطباعاً واحداً وهو «لا للحوادث القاتلة».إذً تبقى الحيرة معلقة بين ضخامة حجم مبالغ المخالفات التي لا تتناسب ودخل الفرد البحريني قطعاً، وبين الكوارث المرورية التي باتت تحصد الأرواح البريئة بكل سهولة، ومن هنا تنشأ الحيرة الحقيقية بين أهمية ردع من يتساهل في إهدار الأرواح في الشارع، وبين مخالفات لو تحصَّل عليها المُخالف في العام الواحد أربع أو خمس مرات فقط، لاضطر لبيع سيارته وغسالته وفرن مطبخه ورقم موبايله المتناسق.لابد للبحرين من قانون صارم يفرمل عجلة الموت التي قضت على مئات من المواطنين والمقيمين في الأعوام الأخيرة في شوارعنا بسبب الحوادث المميتة، وهذا لا يكون إلا بتطبيق القانون الصارم على كل مخالف دون استثناء أو دون هوادة، سواء ضد فقير أو هامور.نعتقد أن المبالغ الكبيرة للمخالفات ربما تخفف كثيراً من نسبة الحوادث، لكن نتمنى في ذات الوقت أن توازي حملة «جمع الأموال» مجموعة من البرامج التوعوية المرورية، يديرها نخبة من الخبراء في مجال المرور، لأننا نريد في النهاية أن نصنع مواطناً يحترم القانون، قبل أن نقوم بصناعة فرد يخاف منه، وهذا هو الفرق بين ثقافة الاقتناع وثقافة تحصيل الأموال، فالأولى تصنع الإنسان الراقي والثانية تصنع الفرد الخائف.إذا تم تطبيق قانون المرور الجديد يكون لزاماً على الجهات المعنية، وأقصـــد بذلـــك الإدارة العامــــة للمرور، أن تصنع صفاً جديداً من رجال المرور، يكونون على قدر من المسؤولية والدراية، وتهيئة الموجودين منهم لهذا الأمر، وذلك عبر إدخالهم دورات تدريبية وما شاكل، فالمبالغ الضخمة التي حددها القانون الجديد للمرور لا بد أن تكون وفق مرئيات الواقع وليس وفق اشتباهات أو مشتهيات من رجل المرور، لذا فإننا نتمنى أن نجد بعد تطبيـــق القانـــون الجديد رجال مرور يدركون حجم المسؤولية، وألا مجال للأخطاء، وإلا سوف يصطدمون مع الجمهور من أول يوم، وبذلك سنشهد حالة من الاحتقان في الشارع وفي أروقة المرور.مهما كتبنا في هذا الإطار فإننا في الواقع سنظل نعيش بين حيرتين؛ حيرة عدم توازي رواتب البحرينيين وحجم مبالغ المخالفات، وحيرة قبولنا بهدر مزيد من الأرواح البريئة في شوارع البحرين، والتي يجب أن توقف فوراً، ولكن لا خيار لدينا إن خُيرنا بين الخيارين، من أن نقدِّم حفظ وصون أرواح البشر على أموال الدنيا كلها.
Opinion
قانون المرور الجديد يضعنا بين حيرتين
24 يونيو 2013