نطرح اليوم قضية مواطن أعطى البلد زهرة شبابه، وقدم كل ما يمكن لرفع اسم البحرين عالياً، والنتيجة أن يكافأ ليجد نفسه «أوت أوف أوردر»، ويقال له ببساطة إنت خارج الخدمة ولم نعد نحتاجك ولا حتى نمد لك يد المساعدة.صاحب القضية من الرعيل الذي قاد الحركة التعليمية في البلاد، عمل مشرفاً ومدرساً في الثانوية، كان من ضمن طلابه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة والكثير من الوزراء والتجار ورجالات الدولة والأطباء والفنانين ممن يتبوؤون مناصب قيادية اليوم.اليوم غدا صاحب الشكوى مهملاً وعالة على ديرته، كان ولايزال فناناً تشكيلياً بارزاً من فناني البحرين الذين لم يطالهم تكريم حظي به كثيرون أقل إبداعاً وعطاء وتميزاً، وساهم كفنان تشكيلي مع إخوته الذين رحل منهم من رحل واعتزل من اعتزل بعد أن أتعبه العطاء دون مردود أو شكر أو تكريم، وعزله الاكتئاب لما شاهده في ديرة اعتبرها أماً تحنو عليه كبقية إخوته ولكنه اكتشف أن «طريقه مسدود مسدود يا ولدي».أستاذنا نعم أقولها بكل فخر.. هو لم يكن فقط مربياً فاضلاً في سلك التعليم ولا فناناً تشكيلياً بارزاً فحسب، لكنه أيضاً كان من مؤسسي أسرة هواة الفن، وساهم في إنجاح المسرح البحريني، مؤلف و«مكياجيست» ومصمم ديكور للعديد من الأعمال الفنية المسرحية في الخمسينات والستينات.أسس أيضاً مطبعة ساهمت في نشر الثقافة وطباعة العديد من الأعمال الثقافية، ولم يبخل بها تالياً على أبناء أعز أصدقائه عندما اضطرتهم الظروف الصعبة أن يستدينوا فتنازل بها إلى ورثة الصديق مبتسماً، متمنياً أن تساعدهم في إصلاح حال الأسرة، تركها لهم دون مقابل رغم حاجته لها، تبنى أستاذنا الكثير من المواهب الفنية في مجالي الفن التشكيلي والمسرحي، وخرج من تحت يديه العديد من أهل الفن.بعد أن أخذت الحياة زهرة شبابه وكل ما يقوى على تقديمه أحيل إلى التقاعد، وأصبح لا يملك شيئاً رغم سنين أفناها في الكد والعمل، ومن سوء طالعه لم يشمله المعاش التقاعدي لخروجه قبل تطبيق القانون، وبعد التقاعد أصبح بلا دخل ينفق منه على قوت يومه، واضطرته الظروف أن يبيع بيته وهو كل ما يملك في هذه الحياة الفانية.باع بيته ثم استأجره ممن اشتراه لأنه باختصار بيت الذكريات الجميلة - على حد قوله - مهما بلغ من إيجار لا يقوى على توفيره لصاحب البيت الجديد، وتسوء حالته ويصبح ملعباً سهلاً للأمراض تفعل به ما تريد ولا معين ولا من يساعد على الخلاص، بعد أن تحول عنه الأصدقاء، وكأن ما يحدث له لا يعنيهم من قريب أو بعيد، واضطرته الأمراض لإجراء أكثر من سبع عمليات ومن ضمن الأمراض التي ابتلاه الله بها سرطان البروستات.تحول أستاذنا إلى ديكور قديم في زاوية مهملة، بعد أن كان يعشق عمل الديكور تحول إلى إحدى قطعه المنتهية الصلاحية، وابتعد عنه أصدقاء الأمس وتنكر له رفقاء الدرب وأصبح الجميع يمرون من درب غير دربه كي لا يكلفوا أنفسهم مساعدته أو السؤال عنه، رغم أنه رجل يموت كالأشجار واقفاً، ولم يسأل أحداً حاجة أو مساعدة رغم ما بداخله من حرقة وجراح. الأستاذ والمربي الفاضل والرسام ومصمم الديكور ومؤسس المطبعة ومدرب الفنانين التشكيليين والمسرحيين ومن كتب للمسرح ودرس أكبر رجالات البحرين، هو الأستاذ عزيز زباري. يأتي هذا العمود استكمالاً لموضوع نشرناه في «ملفى الأياويد» بقلم الزميل علي الشرقاوي، الذي بدأ بنبش ذاكرة الأستاذ زباري بكل زواياها التي تعطلت مع زمن رديء يتنكر لكل الطيبين من أبناء الوطن، فلا تجار ولا وزارة الشؤون مدوا له يدهم، لكننا لم نيأس في بلد الطيبين من أمثال صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، الرجل الذي دائماً ما ينشد الخير وفعل الخير بأن يجود عليه ولو بمرتب يعينه على أمور حياته اليومية، وشقة تلملم ما تبقى من إنسان حطمته الحياة، بعد أن كان هو من بنى لها الدروب المنيرة ودفع بالكثير من أبنائها في دروب النجاح، فهل نتلقفه قبل فوات الأوان وقبل أن نضع الوسام على قبره ونتباكى؟ هل ننتشله من أيادي الأمراض التي حولته إلى كرة في ملعب لا رحمة فيه وقلوب تكره المحبة والإحساس والطيبة.الرشفة الأخيرة رمضان شهر الخير على الأبواب.. والمحسنون في هذه الديرة كثيرون ويبتغون فعله وينشدون الحسنات في هذا الشهر الفضيل، كل ذلك في ميزان حسناتهم ولن يضيع فعل الخير عند رب العالمين.الشكر الكبير للمربي الفاضل عبدالله عبدالعزيز الذوادي الذي أوصل لي تلك المعلومات، بعد أن أصابته حالة اليأس في طلب المساعدة للأستاذ زباري، وكم سيفرحنا سماع نبأ الاهتمام بواحد من أبناء البحرين عندما تمتد له يد الخير وهي ليست ببعيدة عن أهل البحرين التي أعطت ومازالت إخواناً لنا في سائر بقاع الأرض وأكيد أنها لن تبخل على واحد من أبنائها.