حدثني أحد الثقات من أهل المحرق عن جاره ذي القربى عن جاره الصاحب أن «أجيراً من الهند برّ بسيده حين جار عليه الزمان، وأنه في دورة غير مفهومة من تقلبات الدهر صار سيداً وهو مازال أجيراً، وصار ولي أمر وكفيلاً على من يملك مواثيق إقامته ويحتفظ بجواز سفره، وأنه كان أميناً وعين الرقيب غائبة حتى صار يُحكى بين أهل المحرق فلان أمين مثل «جبسي» الهندي!!استقدم عبدالغفار الرجل الأربعيني صاحب رأس المال المتوسط «جبسي» الشاب العشريني من الهند ليعمل عنده أجيراً في محل بيع الأدوات الصحية «مستلزمات المطابخ والحمامات»، كان المحل متواضعاً وكانت المعدات المباعة فيه متوسطة المستوى لذلك اكتفى عبدالغفار بجبسي عاملاً في البيع والتنظيف وعمليات التصليح البسيطة. لكن جبسي أثبت كفاءة جيدة في العمل وحرصاً طيباً منه عليه حاز بفضلهما على مستوى مقبول من رضا كفيله أهّلَه لأن يمنحه صلاحية رصد الحسابات النقدية وإيداعها في البنك، والتفاوض مع الموردين وتجار الجملة بشأن البضاعة المستقدمة للمحل. فاكتسب جبسي خبرات متعددة في فنون البيع والشراء والإدارة المالية والتعامل مع الزبائن كانت ذخراً في الأيام الحالكة وفرجاً في الليالي المعسرات.وفي طريق سريع شبه خالٍ إلا من سيارة عبدالغفار ينفجر إطار السيارة فتنقلب عدة دورات تقذف إحداها بعبد الغفار خارج سيارته ليرتطم ظهره بحجر صلب يكسر له عدة فقرات في الظهر فيصاب بشبه شلل رباعي. ويرقد عبدالغفار طريح الفراش عاجزاً عن الحركة فعلاجه يستدعي سنوات طويلة لن يسترد بعدها كامل عافيته، وسيحتاج علاجه نفقات كثيرة غير التي كان ينفقها على عياله زمن صحته، فمن أين سيأتي بالمال وقد توقف عن العمل؟ من ذا صاحب الثقة الذي سيدير المحل بعده؟ أسئلة ترهق عبدالغفار في مرقده وتقلق زوجته في منزلها. فتذهب الزوجة إلى جبسي لتستفسر منه عن شؤون المحل وكيفية إدارته، فيبلغها أنه على استعداد لإدارة المحل كما كان يفعل مع زوجها وأن عليها ألا تقلق وسيوافيها شهرياً بالمال مفصلاً لها في المدخولات والمصروفات والأرباح، ولم يكن أمام الزوجة المنكسرة إلا أن تقبل العرض مجبرة أياً كان ما سيمنحه لها هذا «الهندي» فليس ثمة قريب أو صديق يُفرغ نفسه لرزقها ورزق عيالها .مضى عبدالغفار في رحلة العلاج واستمر جبسي في إدارة المحل ولم تقِلْ الأرباح، بل إنها زادت باستثمار جبسي لمهاراته وذكائه والخبرات التي اكتسبها. وبعد تحسن طفيف في صحة عبدالغفار تمكن بمعونتها من الجلوس على كرسي متحرك وتبادل الحديث بتثاقل مع الآخرين، استدعى جبسي وعرض عليه شراء المحل الذي اكتسب سمعة طيبة ورواجاً بين الزبائن بفضل كفاءته، لكن جبسي رفض متعذراً بمعرفته حاجة عبدالغفار لمال قليل مستمر أكثر من مال كثير منقطع، واقترح على عبدالغفار أن يدخل شريكاً معه ويقتسمان الأرباح مناصفة، فقبل عبدالغفار عرض جبسي ممتناً لوفائه واتساع إنسانيته. ومع مرور الأيام اتسعت تجارة المحل وتدفقت الأموال على جبسي ووسع المحل أول الأمر ثم توسع بفتح فروع عدة له، وتزوج واستقدم زوجته من الهند وأنجب البنين والبنات. وكان لا يتأخر عن تسديد نصيب عبدالغفار من الأرباح الشهرية التي كانت في ازدياد فصار حاله وحال عياله إلى انبساط.اشتُهر خبر جبسي مع عبدالغفار وصارت حكاية يستحضرها كل من يدخل أحد الفروع التسعة لمحلات كانت محلاً متواضعاً قبل عدة سنوات واليوم صارت مجموعة تجارية تبيع بعض فروعها أدوات عالية الجودة وغالية الثمن، وعُرف جبسي بين زبائنه من أهل المحرق بالسماحة والمرونة وقبول الدين والتسامح في تسديده.بقي في القصة فصل قصير لكنه ثخين الدلالة، فجبسي هو في الحقيقة رجل هندوسي يعبد الوثن ويقدس البقر ولا يؤمن بالبعث بل يؤمن بعقيدة التناسخ التي بموجبها قد تحل روحه بعد الممات في جسد حشرة أو فأر إن هو عصا الرب ولم يكن رجلاً صالحاً، أو تحل في جسد ملك أو راهب إن تضاعفت حسناته ورضي الرب عن صلاحه. وإلى اليوم بقي جبسي وفياً أميناً صادقاً لكنه لم يعتنق الإسلام!!
Opinion
في محلاتنا «هندي» أمين
21 سبتمبر 2013