«منذ السبعينات الخمينية، صار على العالم العربي والإسلامي أن يتعامل مع صعود ظاهرة القدسية المفترضة للعمائم. أي تعرض لمرتدي هذه العمائم صار يعامل وكأنه من الكبائر من دون أن يقول لنا أحد لماذا».لفت انتباهي خبر خصصت له جمعية الوفاق البحرينية المعارضة أكثر من نصف محتويات موقعها الإلكتروني، وهو خبر تفتيش الأمن البحريني لمنزل عيسى قاسم، وهو أحد رموز الشيعة في البحرين، حيث صيغ الخبر بطريقة تجعلك تظن أن هناك اقتحاماً عسكرياً شيطانياً بالطائرات والدبابات للسماء بحد ذاتها، وكأن المذكور يملك قدسية سحقت بمجرد التفكير في معاملته كأي مواطن أو حتى وزير.هذا التفتيش الذي سبب الضجة المستمرة في البحرين لم يدم ربع ساعة وتم لأسباب أمنية بعد اختباء بعض قاطعي الطريق في بيت عيسى قاسم، مما استوجب وحسب القانون، تفتيش المنزل وحسب الأصول ودون المساس بأي شيء.. ولكن ذلك لم يمنع من أن تقوم مجموعة من العمائم بالاجتماع والتشاور ولأكثر من أربع ساعات قامت بعدها بمهاجمة الدولة وتهديدها بعد أن شددت على درجة احمرار الخط الذي يحمله عيسى قاسم. حيث وقعت هذه العمائم على بيان وكل واحد منهم سبق اسمه أكثر من سبعة ألقاب مثل العلامة وآية الله وسماحة وحجة الله والسيد.. إلخ من الألقاب السماوية التي نعجز في فهمها ونجهل من وزعها عليهم «لقب قدس سره محجوز للموتى الحاضرين دائماً بيننا من تلك العمائم».ذلك ما دفعني للبحث عن سر هذه القدسية التي تسقط على لابسي العمائم، وكذلك البحث في درجات العمائم وعددها، ومن هم مانحو هذه الدرجات التي تبيح لمن يضع العمامة السوداء على رأسه ميزات خيالية تختلف مثلاً عن أصحاب العمائم البيضاء وعن كل المشايخ والقساوسة والأحبار. وجدت أن جميع هذه الدرجات تصدر من مكانين؛ أحدهما في حوزة النجف والآخر في حوزة قم في إيران.يقوم على توزيع الدرجات عمائم أخرى تعطي طلاب الحوزات صفات ودرجات فتصل أحياناً هذه الدرجات إلى لصق صاحب العمامة بنسل النبي عليه الصلاة والسلام ليتوشح بعدها بالعمامة السوداء، أو قد يعطى طالب الحوزة العمامة البيضاء «الأقل قدسية» إذا استحال إلصاق هذا الطالب بنسل النبي لوضوح أصله الأفغاني أو الفارسي أو الهندي مثلاً.هذه العمائم السوداء «والأقل حظاً البيضاء» وصل عددها في الفترة الواقعة بين العقد السابع من القرن الماضي ولغاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أكثر من واحد وعشرين ألفاً من «علماء» النجف وقم توزعوا في العراق وإيران ولبنان وسوريا وباكستان والهند وأفغانستان والكويت والبحرين والإمارات والسعودية، وكل منهم أصبح يطالب بقدسية ومناعة من القانون وحصانة من المساءلة، وعلى اعتبارهم وكلاء «أو أبواباً» للدين وأصحابه، فتم إعطاؤهم وصاية مطلقة على أتباعهم وعممت وجوب الطاعة العمياء لهم كركن أساسي يتبع ركن الإمامة الذي صار يتقدم الأركان جميعها.هذه الطاعة العمياء وهذه القدسية المخترعة وضعتا الجميع في ورطة. فالحكومات العربية والإسلامية بداية لم تنظر لهذه الجدلية بسوء ظن، بل حاولت استيعاب هذا المطلب من أحد مكونات المجتمع العربي واحترمت رموز الطوائف، وغضت الطرف عنهم باعتبار أن ممارساتهم إحدى شعائر الدين التي يجب أن تصان وتتاح للجميع. لم تلتفت الحكومات للتمترس التصاعدي حول هؤلاء العمائم وبما يتبع هذا التمترس من تسليم القرار الفردي بالكامل للعمائم ومصادرة حتى حق التفكير بحكم القدسية والإرهاب الفكري العقائدي لهم.تلك القدسية المفترضة أدت بالنتيجة إلى إسقاط العراق ولبنان وسوريا بكلمة واحدة من الخميني وتوابعه، ومازال هذا الارتهان لقدسية العمائم من بعض الاثني عشريين يؤدي إلى تفريخ فصائل خراب تنتظر كلمة من أي معمم أسود أو ذي عمامة بيضاء للانقضاض على ما تبقى من الدول العربية.علينا أن نسمي الأشياء باسمها ونسقط القدسيات التي انتفخت بالثارات والمؤامرات على وحدتنا وعروبتنا..- عن «ميدل إيست أونلاين» بتصرف
Opinion
21 ألف عمامة سوداء وبيضاء تريد أن تحكم العالم
20 مايو 2013