في زمن مظلم كانت الرايات المنكسة والجيوش المهزومة هي مغذيات بذرة ثقافة مراهقي نهاية الستينات من العرب، ثم أسر خيالنا بشغف رجال القضية الفلسطينية بهالاتهم المضيئة كشغف أولادنا حالياً بلاعبي الدوري الأوروبي.ومن المفارقات أن الدكتور وديع حداد قد أدارهم ضد فريق الموساد ومشجعيه من كافة الاستخبارات الغربية من الملعب الأوروبي نفسه. وكانت عملياته الفدائية التي أدت غرضها بإظهار الصوت الفلسطيني ضد الدعاية الصهيونية القائلة «إن فلسطين أرض بلا شعب، تُعطى لشعب بلا أرض»، جند الطبيب حداد المؤلف والمخرج المسرحي الجزائري محمد بودية وأرسله لجامعة لومومبا في موسكو التي تديرها «KGB»، فقام المخرج ذو المظهر المرتب بتنسيق ضرباته الموجعة مع الألوية الحمراء الإيطالية والجيش الأحمر الياباني وأيلول الأسود وبادر ماينهوف الألمانية. كما جند الأسطورة كارلوس المعروف بابن آوى «Carlos the Jackal»، الذي نفذ عملية ميونخ وعملية خطف وزراء الأوبك والسفارة الفرنسية في لاهاي.كما أرسل بودية 3 ألمانيات شرقيات لتفجير أهداف داخل الكيان الصهيوني ومركز تجمع اليهود السوفيت المهاجرين لفلسطين في النمسا، ومخازن صهيونية في فلسطين ومصفاة بترول في روتردام وخط بترولي بين إيطاليا والنمسا 1972م. كما أرسل الدكتور حداد كل من ليلى خالد وسليم العيساوي فخطفا «العال» لإطلاق المعتقلين في تل أبيب. ثم خطف رجال حداد لوفتهانزا 1975م نظير 5 ملايين دولار. وقصف رجاله مع فتاة ألمانية «العال» في كينيا 1976م. تبعها بعملية مقديشيو 1977م.أقر أن في صدري تحيزاً ضد الصهيونية لا أشعر بالذنب بسببه، ربما لأنها أذلتني مبكراً حين كان صهاينة الغرب يرفعون في وجوهنا لافتات كتب عليها «How do expect to win a war wearing a skirt»؛ بمعنى كيف تتوقعون النصر وأنتم تلبسون التنانير.. تلميحاً أن دشاديشنا كفساتين النساء هي سبب هزيمتنا في حرب 67. كانت حكومات دول الخليج شغوفة بالعمل الفدائي وبالقضية الفلسطينية بقدر شغف مراهقي ذلك الزمن بالقضية نفسها، ليس بسبب حجم وتأثير الجاليات الفلسطينية بالخليج فحسب؛ ولا بقوتنا آنذاك، فقد كنا عاجزين عملياتياً ومرتبكين استراتيجياً؛ لكن بسبب وضوح الأولويات. فقد نجح الصهاينة في هدم معالم المجتمع الفلسطيني السياسية والاقتصادية، ووصل بعض من نجا من إخواننا الفلسطينيين من وحشية عصابات الهاغنا وشتيرن وجراحه لم تندمل بعد، فسمعناه مباشرة، وهو بيننا زميل مراهق ومعلم وطبيب وعامل وممرضة، فأوصلت حكومات الخليج الصوت الفلسطيني لكل المحافل الدولية، وجعلت مع القوميين العرب والإسلاميين قضية فلسطين قضيتنا المركزية بالعمل لا بأسطر ترد في البيان الختامي للقمم، بل إن منظمة التحرير الفلسطينية ظهرت أول مرة في بلد خليجي هو الكويت.لقد كانت «مبادرة السلام العربية 2002م»، آخر جهد خليجي كبير تجاه فلسطين، ورغم أن هدفها كان إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967م مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع الكيان الصهيوني، وهو مطلب الصهاينة، إلا أنها آلت للفشل. ثم رضينا طوعاً بنوع من الإقصاء فرضته علينا واشنطن بإيحاءات صهيونية، حيث لم يعد لفلسطين حضور قوي في واقعنا الخليجي السياسي بل والثقافي، مقارنة بعصر كانت فيه جزءًا من واقعنا الاجتماعي أيضاً، حين كان يعيش بيننا آلاف الفلسطينيين قبل زلزال الغزو العراقي للكويت 1990م. لقد غابت فلسطين عن الأجندة الخليجية رغم أن في ذلك غيبوبة تاريخية، وما القول بأن الجهد الخليجي في الربيع العربي هو خطوة نحو الإصلاح وإسقاط الطغاة وسيفضي بالنهاية لظروف مناسبة تقود لحل كل القضايا العربية، وأهمها القضية الفلسطينية، إلا قول لا يختلف عن طرح صدام بتحرير القدس عبر اجتياح الكويت، وهما تسويغان منفصلان في الشكل متفقان في المضمون. وليس تأسيساً لشيء جديد لو قلنا إننا كنا قبل عشرين عاماً في مزاج أقل تسامحاً تجاه المساس بقضية فلسطين. أما الآن فننهل من أنقرة وطهران وحزب الله مفهوم الغيرة عليها، ونكاد ننساها حتى في ذكرى النكبة الذي يصادف 5 مايو من كل عام، وهو اليوم التالي لإعلان قيام دولة الصهاينة عام 1948م. فهل من مبرر لتراجع الدور الخليجي تجاه فلسطين!
Opinion
تراجع الدور الخليجي تجاه فلسطين
23 مايو 2013