بعض الشخصيات السياسية والدينية تتمتع بخصائص معينة لا يمكن تجاهلها في سياق تحليل كيفية التعامل معها، والسلوك المتوقع الذي يمكن أن يصدر عنها تجاه قضايا معينة، وبالتالي تحديد الطريقة الأنسب للتعامل معها.عيسى قاسم الذي نال شرف الجنسية البحرينية في ستينات القرن الماضي بعد أن قدم إلى أرخبيل البحرين له سيكولوجيا معينة من النادر أن يتم التطرق لها، فرغم أنه يملك القدرة على توظيف الدين لاستغلال الجماهير وتشكيل اتجاهاتهم وسلوكهم كما فعل في مواقف كثيرة، مثل فتوى اسحقوهم، وفتوى القائمة الإيمانية في انتخابات 2006، إلا أنه يعاني من الخوف كثيراً، ولا يملك القدرة في الوقت نفسه على إخفاء هذه المشاعر أمام الجمهور.الأمثلة والشواهد على ذلك كثيرة، منها القديم ومنها الحديث، ففي السبعينات عندما ذهبت قوات الأمن للقبض عليه أخبره القائم على مسجد منطقته، بأنه جارٍ البحث عنه، فتخفى في عدة أماكن إلى أن هرب خارج البلاد إلى مدينة قم الإيرانية، وظل فيها لأكثر من عقدين ليعود تزامناً مع بداية التحول الديمقراطي في المملكة. ومن الأمثلة الحديثة، ما تابعه كثيرون خلال الأسبوعين الماضيين تزامناً مع توصيات المجلس الوطني لاجتثاث الإرهاب. فقبل انعقاد المجلس الوطني وصدور التوصيات بنحو 48 ساعة أعلنت الوفاق أن عيسى قاسم يعاني ظروفاً صحية وبالتالي يعتذر عن الخطابة يوم الجمعة. وفي الجمعة التالية بعد صدور التوصيات كانت النتيجة خطبة ناعمة للغاية من الصعوبة أن يتعرف من يسمعها على هوية صاحبها الذي اعتاد على خطب نارية وحماسية لا تخلو من التحريض دوماً. هذه الأمثلة القديمة والحديثة تعطينا نتيجة وهي سيكولوجيا الخوف التي يعاني منها عيسى قاسم، وهو خوف مرضي ليس من أي مسألة شخصية أو ذاتية، وإنما من الإجراءات التي يمكن أن يواجهها بسبب مواقفه السياسية الراديكالية، أو أنشطته التحريضية التي دفعت البلاد إلى حالة متقدمة من الإرهاب والعنف السياسي. الخوف في حياة الإنسان يمر بست مراحل، آخرها مرحلة الخوف التي تمتد من سن الشباب وحتى الشيخوخة، ولها عدة مظاهر من أبرزها الخوف الناتج عن الفشل في بعض المواقف التي قد تؤدي إلى فقدان المكانة والاحترام، والخوف من عدم القدرة في الحفاظ على السلطة والسيطرة على الآخرين، والخوف من الاحتقار. هذه المظاهر هي التي يمكن مشاهدتها في سيكولوجيا الخوف الموجودة لدى عيسى قاسم، ولذلك نجد في جميع خطبه الناعمة إما أن يتخللها أو تنتهي بموجة من البكاء الذي قد يصل إلى الانتحاب. والهدف من هذه الحالة التي قد تكون طبيعية وفطرية وقد تكون أيضاً مصطنعة لاكتساب تعاطف الجمهور مع أي تهديد محتمل أو إجراء قد يتخذ ضده، وهو ما يدفع الجمهور إلى سلوك تضامني يمكن مشاهدته في المسجد أمام قاسم عندما يتم الهتاف بعبارات دينية شائعة، أو يمكن ملاحظته عبر شبكات التواصل الاجتماعي والبيانات السياسية التي تصدر بعد الخطبة مباشرة وتتكرر فيها عبارات «معكم معكم يا علماء». سيكولوجيا الخوف عند قاسم لا تعتمد على بيان العلة والمعلول باعتبارها معالجة من معالجات الخوف، وبالتالي فإن قاسم عندما يظهر ما يمر به من خوف، لا يحاول إيقافه والظهور بمظهر آخر كالشجاعة وغيرها، وإنما يحرص على نقل هذه المشاعر السلبية إلى الجمهور من أجل الحفاظ على نفوذه الديني والسياسي دائماً، ولذلك نجد الجمهور يعيش حالة مزمنة من القلق على قاسم لأن الأخير هو الذي يسيطر عليه، تارة بالتوجيه، وتارة أخرى بالتحريض، وتارة بإثارة النعرات العصبية. الإرهاب الذي يحرض عليه عيسى قاسم لم يتم احتواؤه دائماً برفع العوامل المساعدة على إثارة الخوف لديه باعتبارها من العوامل السيكولوجية المؤثرة في خطابه الديني - السياسي، وبالتالي فإنها فرصة لاستغلالها في إطار الأدوات المستخدمة لاجتثاث الإرهاب.