لعل عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يكون العهد الذهبي للمرأة السعودية الذي تمكنت فيه من اقتحام مجلس الشورى ومن الحصول، مؤخراً، على رخصة مزاولة مهنة المحاماة ومن ثم تأهيلها للعمل كمستشارة في الحقل العدلي. وربما يكون عهد الملك عبدالله هو العهد الذي تتمكن فيه المرأة السعودية من تحقيق إنجازها الكبير بقيادة السيارة. ففي تصريح تاريخي وموضوعي للملك عبدالله حول قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، قال إنها قضية اجتماعية، بالدرجة الأولى، وواجب الحكومة تهيئة الظروف المناسبة لذلك، واليوم تبدو الأوضاع الاجتماعية مواتية لتحقيق هذا الإنجاز بعد سلسلة الإصلاحات التي اضطلع بها الملك عبدالله، حيث تصطف حركات اجتماعية كثيرة داعمة لحق المرأة السعودية في قيادة السيارة وأهم تلك الحركات الحركة التي يقودها شباب سعوديون دشنوا لها (هاشتاق) على التويتر بعنوان #نحن_شباب_ولسنا_ذئاب_خلوها_ تسوق. والمتوقع أن يكون تاريخ 26 أكتوبر تاريخاً حاسماً في قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة، حيث اتفقت العديد من الناشطات السعوديات على الخروج بسياراتهن في هذا اليوم وكسر حظر قيادة المرأة للسيارة في السعودية.ويستوقفني في الحملات الداعمة لقيادة المرأة للسيارة، وخصوصاً حملة (نحن شباب ولسنا ذئاب)، ما تحمله من تمرد على الصورة النمطية (المركبة بالتناقضات) للرجل والمرأة التي جرى تجذيرها في المجتمع حتى غدت أصلاً يستحق المناقشة!!، فصورة المرأة اختزلت في كونها أداة من أدوات الغواية إن هي خرجت للطرقات فستوقع الشباب المسكين في فتنتها وتجره إلى طريق المعصية رغماً عنه؛ لذلك وجب (حجْب) المرأة عن الرجال بالنقاب أحياناً، وبالإقصاء عن كثير من الوظائف العامة، والقيادية تحديداً، وبمنع الاختلاط مع الرجال في الجامعات والأعمال وفي المجمعات، وبصور مبالغ فيها أحياناً مثل وضع النساء في غرف خاصة والتواصل معهن بالدائرة التلفزيونية في بعض الاجتماعات. وصورة الرجل اختزلت في كونه ذئباً مفترساً يهيم في الطرقات مدججاً بالشهوات باحثاً عن فريسة ضالة ينقض عليها، لذلك وجب (حمايته) من المغريات ومنع تعريضه للفتن ما ظهر منها وما بطن، ووجب كذلك (حماية) المرأة من الذئاب البشرية التائهة في الشوارع، فلا تخرج إلا مع محرم ولا تنفرد في طريق أياً كان قربه من منزلها خوفاً على نقاء شرفها وسلامة دينها!!ولا غرابة إن وجدنا التناقض في نظرة المجتمع إلى الرجل والمرأة يمتد أحياناً من تفسير النص المقدس وأسلوب الترويج له، فجميع فقهائنا الأفاضل يرفضون الرواية الإنجيلية التي تحمل حواء مسؤولية خروج آدم من الجنة حين انصاعت للشيطان المتمثل في الحية وأكلت من الشجرة المحرمة وأطعمت آدم منها. ويثبتون الرواية القرآنية بأن الشيطان وسوس لهما فأكلا من الشجرة متشاركين، ولكن حين يتحدث بعض فقهائنا عن دور المرأة في الأرض فإنها تصبح في نظرهم حية تسعى تنفذ إرادة الشيطان وتستدرج آدم الأرضي لمعصية الخالق!!. فكيف يستويان مثلاً؟!! اليوم يثور الرجل والمرأة على هذه الصورة المشوهة التي كبلت المجتمع السعودي بأغلال ثقيلة، أعاقت تقدمه اجتماعياً في مجالات كثيرة. الرجل يرفض تشبيهه (بالذئب) المتربص، أو الكامن في أعماقه، والمرأة ترفض صورة (الحية) التي تستجلب الفتن، أو صورة (النعجة) التي تقع فريسة سهلة لوحوش الصحراء. وهو دليل حراك اجتماعي وثقافي يقود المجتمع نحو التغيير من الداخل الذي هو أبطأ حركة لكنه أمضى أثراً، لأنه يستجلب معه تغيير أنماط فكرية وسلوكيات اجتماعية، وأحياناً تغيير أدوار مؤسسات حكومية مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت من أكثر المؤسسات تحكماً بالحريات العامة وتسلط على سلوك المواطنين ووصاية على المجتمع.ومن النماذج التي يمكن أن نستدل بها على عملية التغيير من الداخل أحد الفيديوهات التي تم تداولها ترويجاً ليوم 26 أكتوبر، حيث تظهر فيه امرأة سعودية تقود سيارتها في شارع رئيس وتمر بجانبها سيارات يقودها شباب ورجال سعوديون ترافق بعضهم أسرهم وهم يلوحون للمرأة بعلامات النصر والتأييد. فإذا كان ثمة من يرى أن الرجل هو من يرفض إعطاء المرأة حقها في قيادة السيارة فهاهو يدعمها بنفسه. وإذا كان هناك من يرى أن في خروج المرأة إلى الطرقات الرئيسة وحيدة خطر عليها وعلى غيرها، فهاهو المجتمع يعبر عن أمنه وعن تضامنه مع الآخر وتعامله معه بكل احترام وتقدير.يوم 26 أكتوبر ليس يوم المرأة السعودية الذي ستحاول انتزاع حقها في قيادة السيارة، إنه يوم الإنسانية التي تاهت عن صورة المرأة والرجل في كثير من أعرافنا الاجتماعية ولُبست رداء شرعية الدين منها براء، فالرجل كائن إنساني مكتمل النضج والاتزان، قادر على ضبط غرائزه والعيش وسط الفتن معتصماً بالدين والقيم، والمرأة كائن إنساني عاقل قادر على تحمل المسؤوليات ومواجهة الأزمات، وهي عفيفة الفطرة بعيدة عن الشبهات بحكم تنشئتها، وقد أثنى عليها الله في كتابه ملكة وزوجة وأماً. ومجتمعاتنا ليست غابات تعج بالذئاب والحيات والنعاج. مجتمعاتنا إنسانية يموج فيها البشر في شؤونهم وقضاياهم وأحلامهم وطموحاتهم وهمومهم. ومن يخطئ منهم فلا تزر وازرة وزر غيره.تحية للمرأة السعودية التي تناضل لانتزاع حقوقها بحكمة وروية، وتحية للشباب السعودي الواعي الذي يضرب مثلاً لاحترام المرأة وتقديرها، ويضرب مثلاً إنسانياً للتعبير عن رجولته وكرامته.
Opinion
هو ليس ذئباً.. وهي ليست حية قيادة المرأة السعودية للسيارة تفسيراً
19 أكتوبر 2013