إلى متى سيظل المواطن العربي مغيباً ومسلوب الإرادة؟ وإلى متى سيأتي اليوم الذي يقرر فيه المواطن العربي مصيره وفق إرادته وتفكيره بعيداً عن كل الإملاءات التي تفرض عليه من كافة القوى السياسية في الوطن العربي؟هل سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه المواطن العربي أن يقول لا أو نعم بملء إرادته؟ هل سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه المواطن العربي أن يختار ما يختاره بعيداً عن العقل الجمعي وعن كل ما تريده بقية القوى السياسية؟ متى سيتحرر الفرد من ثقافة قطيع السياسة؟هناك فرق بين أن يخرج الفرد العربي رغبة منه جامحة في الديمقراطية والحرية والتغيير نحو الأفضل، وبين أن يخرج لأن هناك مجموعة من الساسة الذين يفرضون عليه إملاءاتهم فرضاً، كما هناك فرق بين حرية الاختيار وبين اختيارهم لحريتك.في الجهة المقابلة، لماذا تتعامل القوى والتيارات والجمعيات والأحزاب السياسية في وطننا العربي مع الناس على أنهم أيتام أو أنهم أناس لا يعرفون طريق الخروج إلى النور؟ ولماذا مازالت هناك قوى سياسية تفكر نيابة عن المواطن العربي وكأنه طفل رضيع؟ إن مشتركات ثقافة استلاب الإرادات والعقول بين الأنظمة الدكتاتورية وبين تلك القوى السياسية المتمصلحة والمتسلقة واحدة، فالدكتاتورية ليست فقط في نظام حكم هنا أو في نظام حكم هناك، بل من الممكن جداً أن تكون أكبر الدكتاتوريات تخرج من رحم الأحزاب والتيارات السياسية العربية، بل إن هذه الدكتاتوريات الحزبية أكبر خطراً من بقية الأنظمة، لأنها تتستر خلف شعارات الديمقراطية والحقوق وما إلى ذلك من الشعارات البراقة.لابد للفرد العربي من الآن وصاعداً أن يتحرر من كافة الضغوطات السياسية التي تفرض عليه بطريقة وقحة، سواء من قبل المجتمع أو من طرف كافة القوى السياسية الأخرى، وأن يتجرد ولو للحظات من انتماءاته السياسية والدينية كي يعيش بطريقة حرة ونزيهة.أكثر من مائة عام على تأسيس الأحزاب السياسية في وطننا العربي، وهي مازالت تتعامل مع الإنسان على أنه مواطن «قاصر»، كما إنها مازالت تصر على اختطاف عقله وإرادته وربما حياته، لأنه وحسب ما تراه تلك القوى السياسية لا يعرف كيف «يتصرف» في وجوده وحاضره ومستقبله، ومن هنا أصبحت هي الكفيل الشرعي له في تسيير كافة أموره.من يأتي لكرسي الحزب السياسي العربي لا يمكن له أن يعطي المجال لغيره من الوجوه الشابة، بل ربما يرى المنصب مناسباً له ولعياله وعائلته، وبهذا فهو يمارس دكتاتورية لا تقل قبحاً عن دكتاتوريات الأنظمة الشمولية.على الأحزاب السياسية العربية أن تعيد صياغة ثقافتها وترتيب كياناتها من جديد، وليعلموا أننا اليوم نعيش في القرن الـ21، كما يجب أن يعلن المواطن العربي انشقاقه التام عن كل تيار سياسي يمارس أبشع أنواع الدكتاتورية باسم الديمقراطية، فقراءة سريعة لمنجزات تلك الأحزاب والتيارات السياسية العربية، تجعلك تفر هارباً من سطوتها ووحشيتها إلى فضاءات أكثر نقاء من المكوث في أحضان حزب عائلي أو عنصري أو مذهبي.. اهرب منها ستجد الفرق.