غبي من يعتقد أن الحلم الأمريكي-الغربي بتقسيم الشرق الأوسط يقوم على أساس تثبيت الديمقراطية والعدالة والمساواة، لأن ليس هنالك ما يرشدنا لهذا الوعي أو لهذا النوع من النوايا الحسنة، بل ما صرنا نؤمن به هو أن التقسيم القادم سيكون تقسيماً طائفياً بغيضاً ووقحاً للغاية، لأن هذا النوع من التقسيمات الإثنية والعرقية والدينية يخدم مشاريع دول «شفط» النفط. هناك أكثر من رؤية مخيفة لتقسيم الأوسط والمنطقة العربية على وجه التحديد بطريقة طائفية بشعة، وهذه الرؤى التي يتبناها بعض المحللين الاستراتيجيين تنم عن محاصصات طائفية كبيرة، تقوم على أساس الدم والعرق والمذهب، وليس على أساس بث الوعي الديمقراطي ونشر العدل والحب والمساواة وترسيخ قيم الإنسانية، وهذا ما كان جلياً جداً في كل خطوة تقوم بها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة، وهذا ما خرج على فلتات ألسنة الساسة الأمريكان، منذ عهد كسينجر ومروراً بكونداليزا رايس وانتهاءً بجون كيري.أما حول مسألة التقسيم وسيناريوهاته المحتملة، فإنها جاءت كلها متطابقة مع الرؤية الأمريكية لمستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً.نشرت المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة «أرمد فورسز جورنال» خارطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها الجنرال المتقاعد رالف بيترز، فقسم فيها المنطقة إلى دول سنية وشيعية وكردية (دولة شيعية تعرف باسم «شيعستان») تتحالف مع إيران في الجنوب، بكل ما يحتويه من آبار نفط، ودولة سنية في شمال وغرب بغداد، أما العاصمة العراقية فيتم تقسيمها إلى بغداد الشيعية الشرقية، وبغداد السنية الغربية، والآن ترتفع الجدران بين السنة والشيعة في أحياء المدن الكبيرة خاصة في بغداد، هذا إضافة إلى دولة إسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن المملكة العربية السعودية، ومملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى. الخريطة صيغت لمنطقة الخليج أيضاً على أسس طائفية محضة تقسم المنطقة، وتعزل ساحلي الخليج، أي قسم من إيران وما بينهما، وتضمهما إلى دولة الجنوب العراقي، وحسب زعم الجنرال الأمريكي فإن «تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والأقليات بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة».يقال كذلك أن التقسيم «لن يقتصر على منطقة الخليج، بل يتجاوزه إلى السودان، فإنه قبيل الفراغ من الجنوب كانت مشكلة الغرب السوداني، وتحضير الوجبة القادمة في الشرق لإنهاء نفوذ السودان على البحر الأحمر، يجرى على نار هادئة، من خلال نشر قوات دولية في إقليم دارفور بالسودان، وتتمثل في مساعيها الرامية لغزو مصر في عام 2015، من أجل التحكم في موارد نهر النيل وصرف حصص المياه وفق ما تريد، وبغرض إثارة التوترات بين الطوائف الدينية والقوى السياسية لتكرر سيناريو العراق من جديد، كما يجري التحضير لها في عدة بلدان عربية وإسلامية أخرى، ليكون «الشرق الأوسط الأمريكي» دويلات طائفية».بهذه السيناريوهات المرعبة حقاً، نحن اليوم أمام مستقبل قاسٍ لا يبشر بخير، خصوصاً في ظل تهلهل بعض الأنظمة العربية وتشتت شعوبها، إضافة للنزاعات البينية التي تتخللها علاقات العرب ببعضهم البعض، وفشل إحياء الوحدة العربية وتنشيط اقتصاداتها المنهارة أصلاً، واعتمادها الكلي على الغرب، إضافة لغياب الديمقراطية الحقيقية وانتشار التطرف والعنف والإرهاب، فكل هذه الأمور جعلت الطريق سالكاً لأمريكا وحلفائها من أن يقوموا بتقسيمنا ونحن أحياء، أما إذا متنا وماتت هممنا وعزائمنا فإن القادم أدهى وأمر، وإن الذي سوف يدفع فاتورة التقسيم الطائفي وليس التغيير الديمقراطي الحقيقي في المنطقة، هم الأجيال القادمة، والله من وراء القصد.