حسب التقويم الهجري فإن يوم غد الإثنين هو الأول من شهر محرم، وهو شهر له قيمة ووضع خاص في ثقافة أهل البحرين بشكل عام، فهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يحترمون خصوصية هذا الشهر الذي يحيي فيه الشيعة منهم ذكرى الحسين الشهيد عليه السلام وما جرى في واقعة الطف بكربلاء. طوال السنين الماضيات كان هذا ديدن أهل البحرين، بل كان كثير من أهل السنة والجماعــة يحرصــون علـــى التواصـــل مــع إخوانهم الشيعة فيحضرون حتى مجالس العزاء التي يقيمونها ويستغلون المناسبة لتأكيد التلاحم بين أبناء الوطن الواحد. لكن بسبب الأحداث التي مرت على البلاد صار لمناسبة عاشوراء في السنوات الثلاث الأخيرة طعم مختلف لم يعتده أهل البحرين أفضى إلى الشعور بالتخوف من أن ينتهز بعض المتطرفين هذه المناسبة لتمزيق هذا الشعب الجميل وزيادة مساحة الخلاف بين أبنائه في فعل ما قد يؤدي إلى حدوث مواجهات لا يغنم منها إلا من يريد بالبحرين سوءاً، وهم اليوم كثر.في السنتين الماضيتين كانت الخشية من أمور كهذه كبيرة لكنهما مرتا على خير، والمأمول أن تمر مناسبة عاشوراء هذا العام على خير أيضاً فلا يحدث ما يزيد الشرخ اتساعاً ولا يحدث ما يعمق الجرح الذي للأسف صار يحتاج إلى زمن طويل ليبرأ.أما المسؤولية هنا فتقع على عاتق هيئة تنظيم المواكب الحسينية كونها المعنية بكل صغيرة وكبيرة وكونها الوسيط بين الدولة التي توفر الكثير من التسهيلات والخدمـــات فـــي هـــذه المناسبـــة وبيـــن المشاركين فيها، لكن مسؤولية أكبر تقع على عاتق أولئك الذين يعتلون المنابر الحسينية لما لهم من تأثير على المشاركين في مراسم العزاء، فهؤلاء بيدهم أن يشحنوا المستمعين إليهم فيحولونهم إلى كتلة من نار، وبيدهم أن يدفعوا الجميع نحو مساحة الهدوء التي تعينهم على تقبل النصيحة وعدم خلط الدين بالسياسة.لهذا فإن أول الأمور التي ينبغي على هيئة تنظيم المواكب الحسينية أن تصر عليها وتلزم بها أصحاب المآتم هي عدم السماح لمن يصعد المنبر الحسيني التحدث في الشؤون السياسية، خصوصاً المحلية منها وتلك المتعلقة بتطورات الأوضاع في البحرين، فلعاشوراء خصوصية يجب احترامها وينبغي عدم السماح باستغلال هذه المناسبة للتأجيج والشحن.هذه المناسبة الإسلامية المهمة ينبغي أن تكون خاصة بذكرى سبط الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا يسمح باستغلالها بما يحرفها عن أهدافها، فالحسين كلمة خير وتوحيد ولا يمكن أبداً أن تكون مناسبة إحياء ذكراه سبباً في شق صف الشعب الواحد.لا أعرف إن كان قراء المنابر الحسينية يوقعون عقوداً مكتوبة مع المآتم التي يتفقون معهم لإحياء هذه المناسبة، ولكن في كل الأحوال ينبغي أن يشترط على هؤلاء ألا يخلطوا بين ما جرى على الإمام الحسين بما يجري في الساحة المحلية، فالمناسبة دينية وليست سياسية، وليس مقبولاً أبداً حتى «أن يضربوا النغزات والخشات»، كما أنه ليس مقبولاً أبداً ما يحاول البعض تسويقه من أن المعركة اليوم هي نفسها التي كانت في كربلاء.. بين معسكر الحسين ومعسكر يزيد، فلا يقول بهذا إلا من يريد الفتنة ويريد توسيع الخلاف بين أبناء الشعب الواحد.هيئة المواكب الحسينية مطالبة بأن تكون حازمة في مواقفها وأن تكون قراراتها حاسمة فلا تتهاون ولا تقبل بالتجاوزات أياً كانت ومن أي جهة كانت، وإلا تكون قد أخلت بدورها ولم تقم بالواجب المنوط بها، فهذه الهيئة وإن كانت معنية أيضاً بالتنظيم والنظافة وتأكيد السلوكيات الموجبة، إلا أنها معنية بالدرجة الأولى بمنع استغلال هذه المناسبة العظيمة لشق صف هذا الشعب ومعنية بالسعي للاستفادة منها في التقريب بين من باعدت بينهم السياسة ووساختها.