عقدت اللجنة المركزية للدورة 18 للمؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني الاجتماع الثالث لها من 8-12 نوفمبر 2013، ويعد الاجتماع الثالث للجنة في كل دورة من دورات المؤتمر العام للحزب اجتماعاً هاماً تتخذ فيه قرارات تعبر عن تغيرات جذرية في المجتمع، ولعلنا نشير إلى أن أخطر اجتماعين كان الأول في شهر أغسطس 1966 عندما وافقت اللجنة على التدشين الرسمي للثورة الثقافية البروليتارية التي استمرت عشر سنوات. والاجتماع الآخر كان عام 1978 عندما أطلقت اللجنة مبادرة الزعيم دنج سياو بنج بسياسة الإصلاح والانفتاح، وهو ما دشن عملياً إحداث تغير جوهري في سياسة الحزب وبدء مرحلة «الاشتراكية بخصائص صينية»، وقد قادت هذه المرحلة إلى نهضة صينية كبرى وصلت بها الصين لمكانة الدولة الثانية في العالم من حيث إجمالي الناتج المحلي، وسبقت بذلك ألمانيا واليابان وتحولت إلى قوة اقتصادية وصناعية عالمية، وهي المرحلة التي أصبح يطلق عليها « الصعود السلمي للصين». الاجتماع الثالث للجنة المركزية للمؤتمر العام الثامن عشر للحزب علقت عليها آمال عريضة لعدة أسباب: الأول؛ ظهرت تصريحات رئيس الوزراء السابق وين جياباو بأن البلاد في حاجة إلى مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي، كما ظهرت تصريحات الرئيس الجديد شي جينبنج ورئيس الوزراء لي كاتشيانج وكذلك الرئيس السابق خوجنتاو تندد بالفساد في مؤسسات الدولة وأن الفساد امتد لقطاعات في الحزب نفسه.الثاني؛ إن الفكر الجديد الذي قدمه الرئيس شي جينبنج طرح مفهوم» الحلم الصيني»، وأدى إلى ظهور تصورات عديدة حول هذا المفهوم وكان ضمن تلك التصورات ضرورة تحقيق خطوة جوهرية للأمام في الإصلاح. الثالث؛ ظهرت مشاكل وتحديات جديدة في المجتمع الصيني في ظل تقدم حركة الإصلاح والانفتاح الاقتصادي، وفي مقدمتها مشاكل التلوث، البطالة، والتعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية، وكلها كانت مشاكل محدودة قبل النهضة الصينية الحديثة، وكانت الدولة توفرها ولو بمستوى متدنٍ ولكن مجاناً في التعليم والصحة والإسكان، ولكن كل هذا طغى عليه منهج القطاع الخاص المرتفع الكلفة فأحدث حالة من القلق وعدم الاستقرار الاجتماعي. وزادت أيضاً مشاكل الشباب والبطالة.الرابع؛ عودة الطبقات الاجتماعية للمجتمع الصيني مما ترتب عليه حدوث هوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وأصبحت في الصين عدة مئات وربما آلاف من المليونيرات من رجال الصناعة والتجارة والأعمال بعد أن فتح الحزب صفوفه لانضمام هؤلاء للحزب الذي غير في دستوره ليفسح لهم المجال تماشياً مع ما حدث من تغير في المجتمع.الخامس؛ أن هناك كثيراً من القوميات في المجتمع، خاصة في شينكيانج والتبت، وهي مشاكل تتسم بالخطورة لأن بعضها ينحو تجاه الانفصال ومن الضروري معالجة ذلك لتحقيق التناغم في المجتمع وللحيلولة دون التدخلات الأجنبية.السادس؛ من ناحية أخرى ظهرت الفوارق الاقتصادية بين الأقاليم الصينية في الشرق والجنوب التي تقدمت اقتصادياً بصورة مذهلة وبين المناطق في الغرب والشمال التي ما تزال متخلفة نسبياً.لكل هذه الاعتبارات كان العالم يرتقب ما تسفر عنه اجتماعات اللجنة المركزية العامة باعتبارها الجهاز الرئيسي للحزب الذي يتخذ قرارات يتولى المكتب السياسي والإدارات الحكومية تنفيذها. وقد جاءت قرارات اللجنة المركزية لتركز على الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والإداري مع محدودية بالغة بالنسبة للإصلاح السياسي بالمنطق الديمقراطي الغربي. وإلقاء نظرة على البيان الصادر عن الاجتماع يتضح ما يلي: 1. إدخال عدد ضخم من الإصلاحات تناولت مفاهيم رئيسة مثل كون السوق هو المحدد الرئيسي للأسعار والاستثمار، تخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية، السماح للمواطنين ببيع أراضيهم أو أملاكهم مما يعني السماح بحق التملك الفردي، تطوير النظام المصرفي ليكون أداة لتدعيم المبادرات الفردية وإنشاء فريق مركزي لمتابعة تعميق الإصلاح. 2. التركيز على منطقة جنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا كمناطق رئيسة للاستثمار والإمكانات الواعدة في هاتين المنطقتين، ومنطقة دول الكومنولث، وقد شارك وفد من رجال الأعمال الصينيين في منتدى الكومنولث للأعمال في سريلانكا الذي عقد قبل قمة الكومنولث، ويتطلع المشاركون في المنتدى لجذب استثمارات بملياري دولار أمريكي، خصوصاً في سريلانكا، وقد كان الوفد الصيني أكبر الوفود غير الأعضاء في الكومنولث.3. أكد بيان اللجنة المركزية على صدور نظام جديد متكامل للعلاقات بين الريف والحضر يسمح لسكان غير المدن بحق المشاركة المتساوية في عملية التحديث وحقوق الملكية. وسوف يسمح ذلك بتحسن الزراعة وفي نفس الوقت تطوير المدن وإتاحة الفرص المتساوية بالنسبة لتخصيص الموارد العامة والتنمية الصحية في المدن والريف وهذا سيؤدي للاندماج الريفي الحضري. 4. إنشاء لجنة لأمن الدولة لتحسين نظام واستراتيجيات الأمن الوطني.ونشير في الختام لعدد من الملاحظات المبدئية: الأولى؛ تركز الإصلاح على 3 مجالات رئيسة هي؛ اقتصاد السوق كمحرك رئيس للتنمية ولتطوير علاقات الريف والحضر في إطار من الاندماج والمساواة، تطوير النظم المصرفية والتملك للأراضي والرعاية الصحية، هو إنشاء لجنة تختص بتطوير أداء نظام الأمن الوطني.الثانية؛ إن الإصلاحات التي أقرتها اللجنة في خطوطها العامة ستسمح بتوجيه الاستثمارات الصينية والأجنبية نحو المناطق الريفية والمناطق التي لم تحصل على نصيب واف من ثمرات الإصلاح حتى الآن للتقريب بين تلك المناطق وكان ذلك أحد المشاكل التي اشتكى منها الصينيون. الثالثة؛ الاهتمام بالاستثمار الصيني في المناطق الآسيوية كأولوية وقد يؤثر ذلك على حجم فائض الأموال الصينية التي كانت تستثمر من قبل في أذون الخزانة الأمريكية أو في المصارف الأوروبية. الرابعة؛ إعادة توجيه مسار التنمية للتركيز على الاستهلاك الداخلي كمحرك رئيس في عجلة التنمية بدلاً من التركيز على التصدير، وهذا سيؤدي لرفع مستوى المعيشة في المناطق المختلفة وسوف يحافظ على الاقتصاد الصيني في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية. الخامسة؛ تعزيز الدور الذي تلعبه الطبقة المتوسطة ورجال الأعمال في الاستثمار والاستهلاك وفي هيكله الاقتصاد الصيني. السادسة؛ وضع آلية للمحاسبة والمراقبة على الانحراف والفساد الذي عانت منه بعض قطاعات في المجتمع الصيني.السابعة؛ يرى بعض المراقبين أن قرارات الاجتماع العام الثالث للجنة المركزية للحزب جاءت دون الطموحات لأنها لم تتناول الجوانب السياسية، وفي تقديري أن هذا التصور بلا شك يعبر عن الفكر الغربي الذي يهتم بالجوانب السياسية، ولاشك أن ذلك مرجعه التصورات التي وضعها هؤلاء المراقبون، لكن ليس هذا هو من أولوية القيادة الصينية التي ما تزال مهتمة بالاقتصاد والبيئة وتطوير التنمية لرفع مستوى المعيشة للأفراد وللمناطق والأقاليم الصينية باعتبار ذلك هو ركيزة التقدم ومقياس شرعية الحزب. وبذلك دشن الزعيم الصيني الجديد شي جينبنج مرحلة ولايته الأولى لتعزيز التنمية وتطوير المناطق والحد من الفساد والانحراف وتعزيز الأمن، وهذا هو مدار الأولوية في الصين منذ الانطلاقة الأولى التي وضعها الزعيم الصيني دنج شياوبنج عام 1978، ولاشك أن هذه كله يمكن القول بأنه يتركز على الفلسفة الواقعية بأنه لا ديمقراطية سياسية أو حرية انتخابية لجائع، وأنه من العار أن تكون هناك دولة غنية وذات قوة عظمى ولديها ما يقرب من 20% من الفقراء، ومنهم من هو تحت خط الفقر. الفلسفة الصينية مختلفة في جوهرها عن نظيرتها في الغرب، فحرية السوق لا تعني عدم مراعاة الفقراء والمحتاجين، ولا تعني تجاهل الطبقة الوسطى بل تعزيزها وتقويتها لتقوم بدورها في تهيئة المجتمع نحو بناء ديمقراطية حقيقية في المجال السياسي في الوقت المناسب بعد الوفاء بالاحتياجات الاقتصادية للمواطن حتى يمكنه أن يتمتع بحريته السياسية الحقيقية. وإن كان الإصلاح في هذه المرحلة لن يتوقف عند هذه الحدود لأن أحد القرارات هو إنشاء فريق عمل يتولى بحث ومتابعة تعميق الإصلاح، ومن هنا فإننا نتوقع المزيد في المستقبل وفقاً لتطور الظروف وردود الأفعال من المجتمع وقواه المتنوعة واحتياجات التنمية ومطالب الفئات المختلفة.