يرتاح المعنيون بالمبادئ والقوانين الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان من العبارة التالية «سمو العهد على القوانين والاتفاقيات والنظم والأعراف الداخلية»، وهي تعني أن من واجبات الدول الأطراف التي تصادق على الاتفاقات والعهود الدولية في حالة تبين تضارب أو اختلاف في أمرين يجيزه أحدهما والآخر لا يجيزه أن تعلم أن ما ورد في تلك الاتفاقيات يسمو على ما ورد في القوانين والنظم والأعراف الداخلية. ولأن هذا الأمر يعتبر جلياً ولا يمكن مخالفته لذا اهتم المشرع البحريني بتأكيده في إحدى مواد الدستور، حيث تقول الفقرة «أ» من المادة 121 «لا يخل تطبيق هذا الدستور بما ارتبطت به مملكة البحرين مع الدول والهيئات الدولية من معاهدات واتفاقات» وهو ما يفهم منه أن العهد الدولي يسمو على المحلي. سؤال، إلى أي مدى ينتبه القانون الدولي إلى خصوصية الدولة الطرف في العهود وثقافة مجتمعها فيما يخص حرية الرأي والتعبير؟ هنا مثال لتوضيح السؤال. في مصر ظل المتظاهرون والمحتجون يرفعون العديد من الشعارات الساخنة ولا يترددون عن توجيه أقذع الشتائم للرئيس، وكان أمراً عادياً ترديد شعار «يسقط حسني مبارك» و«ارحل» وشعارات أخرى مسيئة تتناول شخص الرئيس. في اليمن حصل الأمر نفسه، وكذلك في ليبيا وتونس، والأمر نفسه يحصل اليوم في سوريا.حسب الأعراف الدولية والاتفاقيات والعهود تدخل هذه الشعارات في بند حرية الرأي والتعبير حيث تتيح للمواطن في الدول التي صادقت على الاتفاقات والعهود «تلقي المعلومات والأفكار وإعادة بثها بكافة الوسائل»، فهذه حرية رأي وقناعات وآراء وأمور سياسية دنيوية يسمح بها القانون الدولي، وبالتالي فلا بأس لو رفع المتظاهرون شعارات تنادي بالتسقيط وتطالب الحاكم بالرحيل وصولاً إلى تناول شخص الحاكم بطريقة أو بأخرى. وحسب فقرة «سمو العهد على القوانين والاتفاقيات والنظم والأعراف الداخلية» فإن ما يردده المتظاهرون والمحتجون في هذه الحالة يدخل في حق التعبير عن الرأي. ولكن، هل يمكن لمجتمعات الخليج العربي تقبل مثل هذا الأمر؟ أليس لهذه المجتمعات خصوصية معينة وثقافة وأعراف وتقاليد ترفضه؟ في مصر وليبيا وتونس واليمن كان ولا يزال سهلاً وأمراً مقبولاً رفع الشعارات ضد رأس الدولة، وسهلاً فيها تناول شخص الرئيس، فهل الأمر أيضاً سهل ومقبول في مجتمعات الخليج العربي؟ رفع مثل هذه الشعارات هناك تكون موجهة للنظام ولشخص الرئيس الذي يمثل نفسه، لكن رفعها هنا لا تكون موجهة للنظام فقط ولكن لعائلة رأس الدولة أيضاً. بوضوح أكبر، انتقاد الرئيس في مصر مثلاً يفهمه المصريون كلهم على أنه انتقاد لشاغل منصب الرئيس، لكن انتقاد الرئيس في دول الخليج يفهمه الخليجيون على أنه انتقاد للرئيس ولعائلته، وبحكم العادات والتقاليد والأعراف فإنه لا يكون مستساغاً رفع مثل هذه الشعارات هنا لأنه ليس لها قبول.في اعتقادي أن هذه النقطة كانت وستظل أحد أسباب التوتر في البحرين، حيث يصعب على المجتمع البحريني أن يتقبل فكرة أن يسمو العهد على الأعراف والعادات والتقاليد والقيم المحلية وإن اهتم الدستور في إحدى مواده بالتأكيد على سمو العهد على القوانين والنظم والأعراف الداخلية. هذه مسألة مهمة، فلمجتمعات الخليج العربي خصوصية يصعب تجاوزها وإن نصت القوانين على ذلك. المناداة بالتسقيط في دول الخليج العربي تفهم على أنها مناداة بتسقيط العائلة الحاكمة وتسقيط القبيلة، ومن الطبيعي أن ترفض العائلة الحاكمة والقبيلة مثل هذا الأمر، وإن كان القانون الدولي يبيحه. وواقع الحال يقول إن الرفض لا يأتي من العائلة الحاكمة والقبيلة فقط ولكن من كل منتمي إلى هذا الوطن أيضاً.
Opinion
المناداة بالتسقيط حق دولي!
02 أكتوبر 2013