في مسرحية «الواد سيد الشغال» يدخل مفتشا شرطة المنزل للبحث عن «الواد» سيد (عادل إمام)، فتبدأ محادثة «شهيرة» معه، يسرد فيها «الواد سيد» واقعة لكنها متشعبة التفاصيل، بيد أن «كل الزبدة» في النهاية.الواد سيد قال لهم ما يلي (المكتوب باللهجة المصرية): «أهوه أنت أصلا مش واخد بالك، ماهو أصل المزلقان كان مفتوح ساعتها، في واد معدي بحمار، في نفس الوقت الديزل معدي، الديزل راكب فيه كمسري بيتخانق مع واحد درزي، ليه بقه؟ الدرزي كان قاطع درجة ثانية والكمسري قفشوه درجة أولى، كلمة من هنا كلمة من هنا، الكمسري أصلا كان متعكنن، كان متجوز وحده من بني سويف وما كانش بيخلف منها يعني، هي كانت بتحب واحد مكوجي قبل ما تعرف الكمسري، الواد المكوجي ابن اخته بيشتغل في الشركة الأهلية للبلاستيك، الواد ده له حكاية بقه، كان بيعوم في اسكندرية في البحر المالح بتاع اسكندرية، قام الخاتم بتاعوه الدهب وقع منه في الميه، دور عليه أسبوع في الميه مالاقاهوش، بعد سنتين، سنتين، راح اشترى سمكة مشوية أد كده أهوه، أيه رأيك بيفتح السمكة ... ههه .. مالقاش الخاتم!!!!!».تذكرت هذا المقطع، وفتحت «اليوتيوب» لأشاهده مرة أخرى، وذلك فور قراءتي لخبر منشور في الصحيفة عن سؤال موجه لوزير المالية بشأن أموال الدعم الخليجي ووضعها بعد ثلاثة سنوات من إقرارها في القمة الخليجية آنذاك.كل الاحترام نكنه لصاحب السؤال النائب الفاضل الشيخ عبدالحليم مراد، هو من بضعة أعضاء في مجلس النواب نضطر حينما ننتقد ممثلي الشعب في أدائهم أن نستخدم التخصيص «بعض النواب» لا التعميم، حتى لا يتم ظلم المجتهد والمخلص مع ناخبيه فيما وعدهم وما يقوم به تجاههم من خلال شمله ووضعه في مصاف من خدع الناخبين بشعارات زائفة وتنكر لهم وباتت لديه أذن من طيب وأخرى من عجين، وهنا لا نزكي على الله أحداً، لكننا نحكم على «ثبات المواقف» وما نتابعه من أداء والأهم رأي الناخبين.عموماً، النائب الشيخ مراد وجه السؤال بخصوص أموال الدعم الخليجي طالباً إيضاح الآتي:- ما مجموع المبالغ المالية التي تم رصدها من دول مجلس التعاون الخليج لبرنامج الدعم الخليجي مع بيان كل دولة على حدة؟!- ما هي المشاريع التي خصصت لهذا المبالغ من بيان كلفة كل مشروع؟!- هل تم البدء في تنفيذها مع بيان تاريخ البدء للمشروع وتاريخ الانتهاء؟!- هل هناك دول لم تسدد كامل استحقاقاتها، وما هي الفترة المتوقعة لذلك، وما هي الإجراءات التي تم اتخاذها لمتابعة استلام الحصص المتبقية؟!في فبراير من العالم الماضي (2012) نشرت الصحافة ردا لوزير المالية على سؤال نيابي عن حجم المبالغ التي تم تسلمها مدفعة أول من مشروع الدعم الخليجي. الوزير أوضح بأن بأن المبلغ عبارة عن 10 مليارات دولار (3 مليارات و770 مليون دينار بحريني)، بواقع مليار دولار (377 مليون دينار) سنوياً. وأعلن أن هذه المبالغ ستخصص للمشاريع الحكومية على رأسها: الإسكان، الصحة، البنية التحتية من كهرباء وماء وطرق وصرف صحي، أيضا بناء مدارس ومرافق تعليمية.منذ الإعلان عن برنامج الدعم الخليجي كان لسان المواطن البحريني يقول: ماذا لي؟! أي ماذا سيطال المواطن «مباشرة» من هذا المبلغ الضخم؟! وطبعاً المواطن يتحدث عن تحسين راتبه وعلاواته وتحسين وضعه المعيشي، خاصة وأنه تعب نفسياً وهو يلتفت حوله ليرى ماذا يتحصل عليه المواطنون في الدول المجاورة من تسهيلات وتعديل أوضاع ويقارن، ولا تلوموا المواطن هنا، فهو يرى الأرقام تنشر من أرباح وإيرادات وأخبار كلها «تلميع» لنجاح الخطط الاقتصادية بواقع الأرقام وأنها تحسنت وقفزت، لكنه لا يحس بذلك لأنها لا تنعكس عليه.كنا نتساءل كصحافة بشأن الدعم عما يطال الناس «مباشرة»، فلم تكن هناك لا إجابات ولا استجابات أصلا، كان الاكتفاء بالقول أن هذا المبلغ سيخصص للمشاريع، ولأننا نعرف تماماً كيف تدار الأمور في بلادنا في ظل غياب التخطيط الاستراتيجي، فإن الجزم كان بأن مبلغ المليارات العشرة قد وزع سلفاً قبل أن تُستلم أول دفعة، وزارات وقطاعات تراكضت لوضع قائمة بالمشاريع والمخططات حتى «تقتطع» أجزاء أكبر من المبلغ، ولا يهم حتى لو كانت مشاريع لا لزوم لها ولا تمثل أولوية مقارنة بما يطالب به الناس، المهم نحصل «المقسوم»، وما يصير في عرف الوزير الفلاني أن وزارته تحصل أقل من وزارة الوزير العلاني، الأهمية تكمن بحجم «الخردة»! وطبعا لا تسألوا عن الناقلة الوطنية، عشرة مليارات، يعني ممكن «نغرف» حتى من خارج ميزانية الدولة!عموماً، تساؤلات النائب مراد مهم أن تتحصل على إجابات تفصيلية بالأرقام وبالجداول الزمنية وبالمشاريع التي أقيمت والتي لم تقم والتي مازال بعضها في أذهان بعض المسؤولين، ومتى سيتم الانتهاء منها. مهم أن يعرف المواطن أين سيذهب المبلغ الضخم وما هي المشاريع «المهمة» التي منعت ولو توجيه «كم مليون» لزيادة الرواتب مثلاً!لسنا خبراء اقتصاديين، لكن المنطق لا يحتاج أحياناً لمعادلات و»لوغاريتمات»، وما نريد قوله بأنه ما الذي كان سيحصل لو لم تقترح دول الخليج تقديم هذا الدعم؟! كنا سنظل على ما نحن عليه في الوضع العادي، صح؟! بالتالي لماذا لا نفترض عدم وجود هذا المبلغ أساساً، ويوقف توزيعه على القطاعات كل بحسب مقترحاته وخططه التي خرج بها بعد إعلان حجم الدعم؟! في المقابل نقوم بصرف المبلغ كله أو على شكل أنصاف أو أثلاث على مشروع أو اثنان أو ثلاثة فقط ليتم حسمها للأبد؟!الأمثلة كثيرة وبحسب أولوية المواطن: - ألم يكن ممكنا تخصيص المبلغ كله لزيادة رواتب الناس؟! - ولمن يقول بصعوبة زيادة الرواتب حتى لا تترتب على الدولة أعباء مالية أكبر بعد انتهاء مبلغ الدعم، نقول أليس ممكناً أقلها إراحة الناس بإلغاء جزء من التزاماتهم المالية مثلاً؟! أو توزيع المبلغ على العوائل بحيث تحصل كل عائلة على مبلغ مؤثر؟!- طيب اتركوا جيب المواطن، لأننا ندرك أن جيبك يا مواطن «مخروم، مخروم»، أليس من الأجدى بدل توزيع المبلغ هنا وهناك أن يوضع كله في ميزانية وزارة الإسكان بحيث تحل مشكلة الإسكان نهائياً؟! قرابة أربعة مليارات دينار بحريني، والله «تسوي شغل»!- خلاص، اتركوا الرواتب والإسكان، ألم يكن ممكناً أن يوجه المبلغ كله لسد العجز الإكتواري الذي بات شبحاً يهدد تقاعد الناس، والذي هو أصلاً نتيجة استهتار بالمال العام واستثمارات فاشلة ومخططات غير مدروسة. سدوا العجز لأنه أصبح الشماعة لتحطيم كل أمل بزيادات أو علاوات أو تحسين لوضع المواطن.الشكر للنائب الفاضل على تذكير الناس بالموضوع ومتابعته باعتبار أن هذا المبلغ منح للدولة ومن حق المواطن أن يستفيد منه استفادة مباشرة ومؤثرة وأن يساءل الدولة بشأن أوجه صرفه وحسن التصرف فيه.نأمل الأفضل رغم الإدراك بأن المواطن الذي سيبحث اليوم عن تأثير الدعم الخليجي على واقعه «بشكل مباشر» لن يكون حاله أفضل من «صاحب الخاتم والسمكة»!