نحاول في كل مناسبة إسلامية أن نتحين ونتصيد الفرص السانحة لتثبيت قواعد الوحدة بين المسلمين، ولا يمكن أن نفوت المناسبات الإسلامية -وما أكثرها- من أجل ترسيخ مفاهيم الوحدة والتقارب بين المسلمين قاطبة، ليس مجاملة منا أو لياً لأذرع تلك المناسبات لنضعها في قالب وحدوي إسلامي قسري، ولا هي عملية قيصرية لإخراج الوحدة الإسلامية من رحم الشتات والضياع، بل نحن نؤمن كل الإيمان أن كل مناسبة إسلامية هي محطة صالحة للتقارب والألفة بين أبناء المسلمين.في مثل هذه الأيام، حين تطل علينـــا ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام، فإننا نستحضر هذه القيم والمفاهيم الراقية التي تصب فـــي قالب الحب والمودة والتلاحم بين كافة المسلمين وفي كل بقاع الأرض، وذلك لما تحمله شخصية الحسين وثورة الحسين ونهضة الحسين من مثل إنسانية جامعة لكل شروط الحب والسلام.لا يمكن أن يكون هذا الرجل العظيم ولنهضته الخالدة أن يكونا لجيل معين أو لفئة خاصة أو لزمان خاص، بل هما لكل الإنسانية ولكل الدهور، وحين تصلح نهضة الحسين في أن تكون معياراً لتلاقي كل البشر، فإنها من الأولى أن تكون منطلقاً وأساساً للوحدة بين المسلمين، فلم تكن حركة الإمام الحسين حركة تخص بقعة جغرافية معينة أو فئة من الناس، بل كانت حركة تصحيحية لمسيرة الأمة ونهضة عالمية، وثورة لاجتثاث كل أشكال التمييز والعنف والإرهاب ضد الإنسان، وهذا ما كان يبدو جلياً في كلمات الإمام الحسين، سواءً في كربلاء أو ما قبلها، فهي كلمات تنضح حباً للإنسان وكرهاً للظلم والعبثية بمقدرات الأمة وبمصيرها، لأنه يدرك جيداً أن لا مناص من الرجوع إلى الطريق القويم إلا بإصلاح الإعوجاج، وإعادة المسيرة الإنسانية والإسلامية لسكتها المرموقة التي جاء من أجلها الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حين ثار على الجاهلية الأولى، وهذا بالطبع ما كلفه مزيداً من التضحيات والعطاءات والشهداء والدماء.إن موسم عاشوراء الحسين بن علي هو الموسم الأمثل كبقية المواسم الإسلامية الكبرى من أجل الالتفات إلى أهمية الوحدة الجامعة بين المسلمين كل المسلمين، وحين نتخطى هذا المفهوم على أرض الواقع، يمكن لنـــا بعد ذلك وبكل سهولة أن ندعو إلى المشتركات الإنسانية لغير المسلمين، من خلال شعارات عاشوراء، وعبر كلمات أطلقها الحسين في كل أرجاء العالم، يدعو فيها البشرية أن يكون كل من العدل والحب والمساواة والقيم الإنسانية الفاضلة هي المعايير الحقيقية لحفظ كرامة الإنسان، فحين تتحقق الوحدة الإسلامية بين المسلمين من خلال عاشوراء الحسين، فإننا لن نجد جهداً يذكر في أن نقنع العالم بأممية نهضته التي استشهد من أجلها، وهذا هو شرط القيام والنهوض عبر عاشوراء الخالدة.. فالحسين يوحدنا.