الرأي

وانقضى العام!

المسير

قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني». وقال عليه السلام: «بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر».
وقال الفضيل رحمه الله لرجل: «كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، يوشك أن تصل!!». وقال أبو الدرداء: «إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك». وكتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله في الأمصار: «حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة».
سنة من أعمارنا انقضت دون أن تمهلنا الدنيا أن نستثمرها أجمل الاستثمار، سنة مضت سريعاً دون أن ندرك أننا نسير في ركب إلى ربنا ويقترب فيه أجلنا المحتوم، سنة مضت فقدناً فيها من فقدنا من الأحباب والأصحاب، نستحضر أحوالهم وحياتهم، فنراهم قد أعدوا العدة لتحقيق الأحلام، وخططوا ورسموا أجمل اللوحات من أجل أن يتلذذوا بجمالها، ولكن لم يمهلهم القدر، فقد مضوا في ركب الله وانتقلوا مع من سبقوهم إلى منازل النسيان، فكلهم لم يكملوا تلك الأعمال التي خططوا لها وارتحلوا من أجلها، وكابدوا الأيام من أجل أن ينعموا براحة البال في دنيا البشر، وهم لا يعلمون بأن «الراحة الجميلة» هي التي تبشر فيها بروح وريحان، وتضع قدمك في الفردوس الأعلى.
انصرمت سنة من أعمارنا، فماذا يا ترى قدمنا فيها من أعمال تشفع لنا عند الديان؟ وما هي السيرة العطرة التي جملنا بها صحائف الأعمال؟ وما هي تلك الأعمال الخفية التي كتبتها الملائكة قربتنا فيها إلى الرب الرحيم وإلى جناته الخالدة؟ حري بنا أن نستشعر «سرعة زوال الدنيا وقصرها» ونعيش اللحظة التي نحن فيها الآن، فنطهر النفوس ونجدد النيات ونخلص في الأعمال، ثم «نبادر ونسارع» في الأعمال الصالحة التي حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقتناصها والعمل بها.. فماذا يا ترى ننتظر.. ولماذا نسوف.. أننتظر ما يقعدنا عن العمل والقرب إلى الله تعالى؟ أم ننتظر ساعة الرحيل التي هي النتيجة الحتمية لكل ما قدمناه في دنيا قصيرة!!
فالكيس هو من انتهز الفرص في طاعة الله، وسخر حياته كلها له، وحذر من المنهيات والمحظورات، واستدرك ما مضى من حياته، واستغفر وتاب وأناب إلى بارئه، وعمل لجنة غالية قطوفها دانية «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة».
فلنحسن استقبال عامنا الجديد بصالح الأقوال والأفعال، ولنتزين بكل ما يجعل نفوسنا مطمئنة ترجو الخير من الرحيم الرحمن، ولنعد العدة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ولتكن أحاسيسنا «إيمانية دقيقة» تستشعر الخير، وتخاف من أصغر الخطايا، وتعمل جاهدة من أجل أن تكون «إشعاع خير وعطاء لكل البشر»، فهذا الحسن البصري رحمه الله يبكي في الليل حتى يبكي جيرانه، فيأتي أحدهم إليه في الغداة فيقول له: لقد أبكيت الليلة أهلنا. فيقول له: «إني قلت: يا حسن، لعل الله نظر إلى بعض هناتك فقال: اعمل ما شئت فلست أقبل منك شيئاً».. إنه الإحساس الإيماني المرهف بالخوف من الجليل ومن يوم الحساب الأكبر!!
ولندخل شهر الله المحرم الذي هو من أفضل أيام شهور السنة بعد رمضان فنحرم على أنفسنا الولوج في المعاصي والمنكرات، ولنقطع على أنفسنا عهداً بأن نكون فراشة جميلة تنتقل لكل مكان من أجل أن تحصد الأجر الذي يشفع لها عند الديان، نطهر فيه النفوس من كل الأدران، ونفتح صفحة جديدة في حياة متجددة شعارنا فيها «جدد حياتك وإيمانك»، فلا تكون أيامنا فيها متشابهة، بل كل يوم يحمل معه شعار وعطاء جديد نروض فيه النفس على طاعة الرحمن وحسن خلافته في الأرض.
اللهم اجعل عامنا سعيداً هانئاً عامراً بالخيرات والبركات والمسرات، واغفر لنا تقصيرنا فيما مضى، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وبارك لنا في أرزاقنا وذرياتنا وأهلينا، ووسع لنا في دورنا، آمين.