لا يختلف اثنان على حب الحسين ابن علي رضي الله عنه، حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفيده وأحد سيدي شباب أهل الجنه، ولا يختلف أحد أنه عاش على الحق واستشهد في سبيله، وسيظل الحسين رضي الله عنه مع أهل بيت الرسول وأصحابه -رضوان الله عليه جميعاً- القدوة والمثال الذي يحتذى، ولهم ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الأعظم؛ فهو جمال الكمال وكمال الجمال.لكن أن يتم إلصاق أزمة البحرين التي انطلقت منذ العام 2011 وما زالت بثورة الإمام الحسين، وربط أهدافها وتضحياتها ورسالتها بأزمتنا الحالية، فهذا كلام باطل يراد به باطل، ولا يزيد الناس إلا تمزقاً ولا يزيدنا إلا قناعة بأن وراء كل ما حدث نفس طائفي كريه، تفوح روائحه مهما حاولوا إخفاءها، لكنها تبرز هنا أو هناك.ففي حديث نشر على موقع الوفاق يوم الجمعة 1 نوفمبر، قال الأمين العام للوفاق علي سلمان: «نقدم على محرم ونحن نعيش الثورة، والثورة في أحد معانيها هي امتداد لثورة الإمام الحسين عليه السلام، بمعنى المطالبة بالحق والكرامة ورفض الظلم، وهذه المعاني الكبيرة التي تستمد منها ثورتنا اليوم وتنطلق منها»، مع الأسف هذا كلام ليس بجديد، فمنذ بدء الأزمة الى يومنا هذا انطلقت تصريحات مشابهه من شخصيات عدة محسوبة كقيادات دينية أو سياسية «للمعارضة»، وقلنا مراراً وحذرنا من أن ذلك يزيد الاحتقان بين مكونات المجتمع ويكرس الطائفية التي زرعتها الأزمة البغيضة.فالمعروف أن البحرين كبلد منفتح ومتعدد كان الناس فيه دائماً متعايشين ومتقبلين لاختلافاتهم المذهبية والدينية، وحتى غير البحرينين وغير المسلمين، عاشوا في أمن ومارسوا عباداتهم ومعتقداتهم بحرية دون تقييد من الدولة أو رفض من الناس، وكانت مناسبة عاشوراء ببعدها الديني يحيه ويحتفل به كل أبناء البحرين، فمنهم من يصوم العاشر منه اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وشكراً لله أن نجى موسى من فرعون وجنده، ومنهم من يقيم مراسم العزاء إحياءً لذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه، وكانت الدولة ولا زالت هي الوحيدة في المنطقة، وربما في الدول العربية كافة، التي تعطي إجازة لتاسع وعاشر محرم، يستغلها شيعة البحرين لمراسم العزاء ويستثمرها كثير من أهل السنة والجماعة للقيام بعمرة محرم التي صار يسمى موسمها (بعمرة أهل البحرين).على المستوى الاجتماعي؛ ضرب البحرينيون أجمل صور التعايش، فكان أهل السنة يشاركون إخوانهم الشيعة في هذه المناسبة بحضور مراسمهما، خصوصاً في المدن المختلطة العريقة كالمحرق والمنامة، بل ويتعاونون في مسائل التنظيم وطبخ ولائم الطعام وتوزيعها وما إلى ذلك، هذا واقع سجله التاريخ وما زال يذكره جيدا كبار السن، بل وحتى من هم أصغر قليلاً، ولسنوات قليلاً مضت كان الناس يتشاركون هذه المناسبة ببعدها الاجتماعي، وإن خفت مظاهر المشاركة عن السابق، لكنها كانت ولا تزال موجودة.تعود البحرينيون باختلاف طوائفهم على مظاهر إحياء مناسبة عاشوراء بشكلها البحريني التقليدي وببعدها الاجتماعي، والذي لم يكن قط مثاراً للفرقة وللشحن الطائفي ولإبعاد الناس عن بعضهم وتصنيفهم، لكن جماعة «المعارضة» وعندما تكرر سنوياً إلصاق ما افتعلته من أزمة سياسية واجتماعية على أنه امتداد أو استلهام لثورة الحسين؛ فإنها بذلك تدفع المكون الآخر للمجتمع لأخذ موقف دفاعي، وربما رافض لكل مراسم عاشوراء عند الطائفة الشيعية، وهو أمر لم تعرفه البحرين من قبل وما اعتادت عليه، لكننا صرنا نتلمسه ونرى بوادره واضحة!!.فأحداث 2011 التي حاولت فيها «المعارضة» وجماعات التأزيم اختطاف إرادة الشعب بكل أطيافه، وإلغاء رأي مكون رئيسي شريك في الوطن من أجل تحقيق أهداف سياسية ومحاكاة الثورات العربية لتحقيق أجندات طائفية ضيقة، اعتنقتها جماعات راديكالية محددة داخل الطائفة الشيعية بنت تحالفات خارجية ضد بلادها، وما أحدثته تلك الأزمة من صراعات بين أبناء الوطن الواحد أدت الى انقسام مجتمعي لم تعرفه البحرين من قبل، وأصبح كل ما هو مرتبط بأزمة 2011 مثاراً للاستنكار والرفض من قبل الغالبية العظمى من أبناء الوطن الرافضين لتلك الأزمة ومن أشعلها ومن افتعلها، فكل الأحداث والشخصيات والخطابات والوجوه والأماكن المرتبطة بالأزمة وما صاحبها مرفوضة ومكروهة من أهل البحرين، وتثير الكثير من الأسى في النفوس وتشعل الأحقاد، وما زالت إلى اليوم تفرق المجتمع وتكرس فيه الانقسام الطائفي المقيت، فكيف تقوم «المعارضة» وقادتها، وهم يعلمون ذلك، بربطه بمناسبة دينية كهذه، فقط لاستغلال جانبها النفسي في حشد أتباعها ومحاولة خداع أبناء طائفتهم حتى الرافضين للمعارضة وفكرها التأزيمي من خلال استثمار مناسبة دينية لها قدسيتها عندهم!!إن ذلك خطير جداً؛ فهذه المناسبة مستمرة، وأنتم وجمعياتكم وأهدافكم ومخططاتكم زائلون، فكيف تحملون البحرين وشعبها إرثاً من الكراهية والانقسام حول مناسبة دينية كانت تجمع الناس، وأنتم تعلمون خطورة ذلك؟! لماذا تقامرون من جديد بالوطن ومن فيه من أجل مصالح فئوية ضيقة وحسابات سياسية خاسرة لا محالة؟! وهل تساءلتم يوماً؛ كيف سيحكم عليكم التاريخ؟!