من الجميل القول إننا شهدنا مظاهر احتفال غامرة في اليوميين الماضيين بوطننا الغالي في ذكرى أعياده المجيدة، ولمسنا مشاعر فرح وحب عميقين للبحرين وأرضها وقيادتها من المواطنين والمقيمين وأبناء دول مجلس التعاون، وهو أمر غير مستغرب، لكنني أجدها فرصة مهمة للتوقف عند ظاهرة بدت تنتشر ونستشعرها بين أبناء البحرين بشكل عام، فبعيداً عن التغني بأعياد الوطن في مناسباته الوطنية بات واضحاً أن البحرينيين تنتابهم مشاعر إحباط من أحوال البلاد السياسية والمعيشية والأمنية، ويمكن رصد ذلك في أحاديث المجالس والمقاهي والعمل ومواقع التواصل الاجتماعي.نعم هناك نبرة إحباط واضحة في كلام وكتابات الناس، ليس الأمر مقتصراً على (ما يعرف بالمعارضة)؛ فهذا ديدنها وأسلوبها الذي تلعب به سياسياً لشحن وتجميع أتباعها وتحفيزهم وضمان تبعيتهم بأن تخلق منهم مواطنين يشعرون بالظلم واليأس والحنق على الوطن، فيسهل تحريكهم وتضمن تبعيتهم، لكن لغة ومشاعر الإحباط والنقد باتت واضحة لدى أكثر المحبين للوطن ونظامه، وممن هب دفاعاً عنه وعن بقائه وسلامته وحملوا الأعلام وصور القيادة وبكوا حباً في البحرين وخوفاً عليها، وهم من نجدهم اليوم يشعرون بالإحباط ويمارسون النقد العلني.قد تكون الأزمة التي مرت بها البلاد في 2011 حركت مشاعر الحب للوطن وجعلت كلاً منا ينظر لقيمة هذا البلد الجميل الذي نعيش فيه وما به من خير وتقدم، لكنها في نفس الوقت جعلت الناس أكثرة جرأة في التعبير عن رفضهم لأي قصور أو خطأ أو وضع سياسي أو اقتصادي أو خدماتي لا يرضون عنه ولا يلبي حاجاتهم وتطلعاتهم.ولهذا الموضوع جانبان برأيي؛ أولاً: لابد فعلاً من النظر لحاجات الناس وتلبية متطلباتهم، خاصة الضروري منها، ومحاسبة المقصرين والمفسدين وناهبي المال العام بجدية وبشكل رادع، وتطبيق القانون على المخربين ومن يثبت ارتباطهم بأجندات خارجية تمس أمن ومصالح الوطن، إذ إن مشاعر اليأس والإحباط والرفض ستكون غاية في الخطورة إذا ما انتشرت، فيبتعد المواطن من اللجوء للوطن كملاذ إلى اللجوء إلى كيانات قائمة على أساس فكري أو مذهبي أو تنظيمي، وهنا يصبح اللعب بالعقول ونشر التطرف وبث العداء أكثر سهولة لمن لا يريد الخير للوطن.وإذا كانت الفئة التي تسعى لذلك اليوم معروفة، فمن غير المعروف ما قد يحدث مستقبلاً، وأي من الفئات الأخرى قد تسعى لذلك مستغلة يأس وإحباط الناس، ولنا في دول الخريف العربي وما حدث فيها وما آلت إليه أمورها إلى اليوم المثال الأكبر.ثانياً: يجب أن لا نخلط نحن كمواطنين بين انتقاد الأوضاع العامة من خدمات ومستوى معيشي وغيره وبين انتقاد الوطن نفسه، فمن حقنا أن ننتقد إخفاقات السلطة التشريعية والتنفيذية والإعلام المحلي وغيره ونطالب بمحاسبة المقصرين، ولكن دون أن ينتقل ذلك لنقد البحرين كوطن كأن نقول «الديرة ريوس» أو «ما في شي عدل في الديرة»، فأوضاع الديرة متغيرة وهي نتاج ما نقوم به نحن وتقوم به السلطات المختلفة، أما البحرين كوطن فهي القيمة العظيمة الباقية وكل ما دونها زائل، فلننتقد الخدمات وأداء السلطات المختلفة دون أن ننتقد الوطن ذاته، فيصبح الأمر مع التكرار ومرور الزمن متاحاً ومألوفاً وغير مستنكر، وقد ينتقل لأجيال قادمة من خلال الأطفال الذين يسمعون ويكررون وربما يتشبعون بمثل هذه الأفكار والروح المحبطة!! وهذا إن حدث لن يكون في مصلحة الوطن، ولا يتفق مع مفهوم «المواطن الفعال» الذي تحدث عنه المفكر جان جاك روسو في نظرية المواطنة أو (العقد الاجتماعي).- شريط إخباري..لابد أن الكثيرين لاحظوا وجود جديد في الصيغة الرسمية للاحتفال بأعياد الوطن، إذ أدخلت إضافة تتعلق بذكرى قيام الدولة البحرينية منذ 230 عاماً، وهي معلومة ربما تكون غائبة عن الكثيرين، فضمت التهنئة عبارة (تحتفل مملكة البحرين بأعيادها الوطنية في يومي 16-17 ديسمبر إحياءً لذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح ككيان عربي إسلامي عام 1783 ميلادية) طبعاً إلى جانب ذكرى الاستقلال والانضمام إلى الأمم المتحدة وتولي جلالة الملك حفظه الله لمقاليد الحكم.بنظري تعد هذه خطوة موفقة إذ إن جزءاً مهماً من تاريخ البحرين قد لا يكون محفوظاً بشكل كافٍ لدى الشباب، إذ لم يتم الترويج له كما يجب، فشبابنا يعرف ربما عن مصر من خلال الدرامة المصرية وحتى مناهجنا التعليمية جانباً مهماً من تاريخها وأبطالها؛ كأحداث 1919 و1952 و1973 وسعد زغلول وجمال عبدالناصر وثورة الضباط الأحرار وحرب أكتوبر وما إلى ذلك، لكنهم في المقابل يجهلون جانباً من تاريخ وطنهم الحافل وتكوين الدولة الحديثة ومراحل تطورها وأهم المحطات التي مرت بها، وأدعو حقيقة الشباب لقراءة كتاب (المجموعة الخليفية للشباب) الذي قدم مؤلفه الدكتور منصور سرحان شرحاً مبسطاً لتاريخ البحرين وكيف دخلها أحمد الفاتح ليبدأ فصلاً جديداً من فصول هذه الأرض الخيرة، أما من أراد أن يستزيد فهناك كتاب (الضوء الأول) لجلالة الملك والذي صدر أول مرة عام 1986 وكتاب (البحرين) لمؤلفه عيسى الجودر وغيرهم.