الحادثة الإرهابية التي ذهب ضحيتها رجل الأمن ياسر الذيب لو حدثت في أي دولة أخرى لعلم بها العالم كله ولتفاعل معها ومع قضية دولته وحربها على الإرهاب، ولكننا كإعلام وكمؤسسات مدنية وحتى كأفراد وشخصيات عامة، تعاملنا معها في حدود الواجب ثم مضينا في طريقنا، ومضى العالم معنا دون أن يلتفت إلى ما وراء هذا الحدث الإرهابي. وهل نلومه؟ فإذا كنا نحن أصحاب الدار لم نقم بواجبنا هل ننتظر أن يقوم به أحد غريب نيابة عنا؟أتذكرون حادثة قتل الشرطي البريطاني قبل شهر؟ الإعلام كان حاضراً ودم الضحية مازال ينزف والعالم شاهد الضحية وعرفنا اسمه (ريجبي) واسم زوجته (ربيكا) وسمع العالم عرف أهل الضحية، وزملاء الضحية وموقع سقوط الضحية، وجيران الضحية، حتى أصبحت الضحية جزءاً من يومنا ونحن نبعد عنه آلاف الأميال فكان تعاطفاً مع قضيته وإدانة متواصلة وشجباً متواصلاً لمقتله، وأهداف القتل. الخلاصة أن الإعلام كان تفاعلياً مع الحدث خاصة التلفزيون، فيما نافسته الصحافة بجدارة فكانت مصدراً للخبر وللمعلومة وللرأي والتحليل.شارك العديد من الاستشاريين والمحللين والأكاديميين في البحث بما وراء الخبر وانتهزت الحكومة البريطانية الفرصة، وكذلك الإعلام البريطاني ليظهر صلابة وقوة ومتانة العمل الشرطي وتعاملت مع الموضوع بشفافية تامة، وقدمت المعلومات بل وشكلت لجنة تحقيق لتتأكد من أن الأجهزة الأمنية قدمت ما في وسعها ولم يكن تقصيرها سبباً في ذهاب هذه الضحية.ولم يكن ليجرؤ أحد أن يظهر ببيان كبيان العار الذي أظهرته الوفاق وكان كـ (غسول مرة الأبو) الذي أدان العنف من حيث المبدأ إنما شكك في مقتل الضحية وتعامل مع الحدث كعادته بعنصرية بغيضة معتبراً رجال الأمن مرتزقة وأن الداخلية دائماً تكذب!!مات ياسر، انفجرت فيه قنبلة قطعت أجزاء من جسده ولم تمض ساعات حتى فارق الحياة، بالكاد إحدى الجرائد نشرت الصورة وبيان من غرفة التجارة صدر بعد عدة أيام وبعد أن وجهنا لهم اللوم مباشرة. والنواب في إجازة والجمعيات والاتحادات، والصحافة والإعلام في سبات عميق.حتى السفير الأمريكي كان أكثر إنسانية من المجتمع البحريني، على الأقل أصدر بياناً أدان فيه العنف وكذلك الأمر بالنسبة لسفيري بريطانيا وألمانيا ولحقهم الاتحاد الأوروبي، في حين طوى قلب البحرينيين صفحة ياسر بسرعة!وقبل أن يوجه أحد اللوم للتلفزيون كأداة إعلامية عليه أن يبحث عن القرارات العليا والسيادية التي تحدد السياسة الإعلامية، ومن ثم يلوم الأجهزة التنفيذية على تقصيرها في تنفيذ هذه السياسة، فإذا كانت السياسة العليا اختارت أن تتعامل بأسلوب (اللو بروفيال) الإعلامي مع الإرهاب فلا تلوموا جهاز التلفزيون. هل تسمح السياسة العليا مثلاً أن يتواجد طاقم التلفزيون في موقع الحدث؟ لو كانت السياسة العليا تسمح لتواجدت الكاميرات والطاقم الإعلامي هناك خلال دقائق، ليسجل بالصوت والصورة وينقل الحدث مباشراً للعالم أجمع، ولو كانت تسمح هذه السياسة لصورت الضحية ونقل للعالم إرهاب الجماعة التي يطالب بالتحاور معها، ولو كانت السياسة العليا تسمح للتلفزيون وحتى وزير الإعلام، ولكن هذه السياسة هي أعلى من هؤلاء جميعاً.كان على التلفزيون انتظار وصول الخبر جاهزاً من الإعلام الأمني كي يصل بعد ساعتين بصياغة موجزة دون تفاصيل ومكتوب في صفحة صغيرة!!مازال الإعلام عاجزاً عن التحرك بمهنية مع الإرهاب نجحت الوفاق بزعيقها و صراخها بإقناع من يضع السياسة العليا بأن الإعلام يجب أن يقيد فهو قاصر، و يحجرعليه فهو سفيه، فخسرت أهم سلاح و أنجح من ألف كتيبة جيش ممكن أن تدافع عن قضيتنا.انظروا إلى الإعلام المصري الآن لقد نقل قضيته صوت وصورة مباشرة للعالم أجبر الولايات المتحدة الأمريكية أن تراجع موقفها، الإعلام المصري الآن هو كتيبة رقم واحد، فحقق ما عجزت عنه البحرين خلال سنتين، لم يكترث لكل الزعيق و لكل التهديد وقف بحزم و أطلق العنان للكتيبة أن تتحرك على الأرض وأعطاه صلاحيات التقدير الميداني، وليس مثلنا حين (أخذنا أرض) و قيدنا الإعلام حبسنا مراده في قمقمه!أتلومون الوفاق إن استغلت ضعف أدائكم الإعلامي وكذبت خبر وفاة الضحية بوقاحة و بدم بارد؟ثم وعلى صعيد آخرهل رأيتم أحد النواب كان في زيارة لأسرة الضحية؟ هل شاهدتم مؤسسة مدنية تتفاعل مع الحدث شجباً واستنكاراً وتعاطفاً مع أسرة الضحية؟لا إعلام ولا مؤسسات أهلية ولا أفراد .. ثم نقول لِمَ العالم لا يعرف معاناتنا مع إرهاب جماعة الولي الفقيه؟ ياسر كان يستحق أن نلتفت إلى مأساته الإنسانية ومأساة أسرته، و كان يجب أن يكون لموته معنى وقيمة حين يعرف العالم القضية البحرينية من خلاله ومن خلال التعاطف معه بعد موته لكننا ضيعنا كل هذالقد قتلنا ياسر مرتين .. مع الأسف.
Opinion
عذراً ياسر
10 يوليو 2013