في العام 2002 تمكنت الجماعات الإسلامية السنية في البحرين من السيطرة على السواد الأعظم من مقاعد مجلس النواب في الانتخابات التشريعية الأولى، وكان السبب ذلك من وجهة نظر الإسلاميين «أن الجمهور مزاجه إسلامي، وحريص على إيصال الكفاءات من الإسلاميين».في العام 2006 انتهت حالة المقاطعة للعملية السياسية التي تبنتها الجماعات الراديكالية، وكانت النتيجة استمرار هيمنة الإسلاميين السنة، ودخول الإسلاميين الشيعة في الوقت نفسه إلى قبة البرلمان. في العام 2010 كانت الصدمة، عندما تراجع عدد الإسلاميين السنة في البرلمان مقابل دخول شخصيات مستقلة، وفي الوقت نفسه تمكن الإسلاميون الشيعة من الحفاظ على نفوذهم هناك. للأسف الشديد لم يتم تحليل أسباب تراجع نفوذ الإسلاميين السنة في مجلس النواب خلال ذلك العام، خاصة وأن ما نتحدث عنهم لم يكونوا من الإخوان المسلمين فحسب، وإنما حتى من السلف، رغم أن هذه الخطوة مهمة لتقييم أداء مختلف التنظيمات السياسية دائماً. عندما يتم الحديث عن فوز الإسلاميين في الانتخابات دائماً ما يتم تبرير ذلك بأنهم يمثلون الكفاءة، وأنهم يمثلون الاستقامة الأخلاقية في المجتمع. من الناحية النظرية فإن مثل هذا الطرح واقعي في عدة أوجه، ولكن الإشكالية في تجربتهم استغلال الدين لأغراض سياسية. ليست هناك مشكلة في العلاقة بين الدين والسياسة، ولكن هناك مشكلة في استغلال السياسة للدين. هذا ما تم بالنسبة للإسلاميين السنة ولنظرائهم الشيعة، وفي السياق نفسه هناك نموذجين في استغلال الدين سياسياً، وهما كالآتي:النموذج الأول: الاستغلال غير المباشر:يتمثل في عدم وجود جهة مركزية تتبنى استغلال الدين سياسياً، بحيث يتم نشر الأفكار على أوسع نطاق، وتكوين صورة ذهنية تقوم على أن الإسلاميين هم الخيار الأفضل في الاستحقاق الانتخابي مثلاً. النموذج الثاني: الاستغلال المباشر: يتمثل في وجود جهة مركزية تتبنى استغلال الدين سياسياً، بحيث تكون العملية علنية ومعروفة بأن هؤلاء يمثلون الدين في الاستحقاق الانتخابي، وغيرها ليست مستحبة من الناحية الدينية، بل ويجب محاربتها. كما حدث في انتخابات 2006 عندما وصف عيسى قاسم قائمة الوفاق الانتخابية بأنها القائمة الإيمانية. بعد الانتخابات التشريعية التكميلية التي أجريت في 2011، هل مازالت فكرة استغلال الدين قابلة للتطبيق؟ وهل تغيّر وعي الأفراد وصارت اتجاهاتهم في طريقها للتغيير؟بعد أحداث الربيع العربي، وما ترتب عليها من استقرار للفوضى، تغيّرت الاتجاهات، وصار الحراك السياسي مكشوفاً للغاية، فلم تعد تلك الشعارات التي يتم التشدق بها بين وقت وآخر مجدية، سواءً كانت شعارات دينية أم شعارات سياسية تتغنى بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وتجارب حكم الإسلاميين في عدد من بلدان الربيع العربي ـ وأبرزها مصر طبعاً ـ ساهمت بشكل كبير في تغيير قناعات الرأي العام المحلي والعربي، وصارت القناعة بأن حكم الإسلاميين وتزايد نفوذهم السياسي خطر ويمكن أن ينتهي بالفشل. لذلك كان لافتاً كلمة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد السعودي بمناسبة حلول شهر رمضان والتي جاء فيها أن الرياض «لن تسمح أبداً بأن يستغل الدين لباساً يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين ومغالين ومسيئين إلى صورة الإسلام العظيمة بممارساتهم المكشوفة وتأويلاتهم المرفوضة».وهذه رسالة واضحة بعدم جدوى استغلال الدين أكثر مما مضى على مستوى المنطقة، فالرفض ليس لاستغلال الدين فحسب، وإنما بهدف السعي لتحقيق أغراض ومصالح خاصة. وهي في الوقت نفسه إشارة إلى ضرورة إنهاء استغلال الدين التي اعتمدت عليه الجماعات الإسلامية طوال العقود الماضية، مع قناعة بأن زمن الأيديولوجيات انتهى.