بعد حملة رجال الأمن الناجحة التي كشفت عن مخازن الأسلحة العديدة، بعد مقتل رجل الأمن ياسر وإصابة اثنين آخرين، أصبح وضع جمعية الوفاق حرجاً للغاية مع تيار الوفاء وتيار حق والشيرازيين خاصة، وحلفائهم الأمريكيين والبريطانيين الذين عملوا معهم طوال السنوات العشر الماضية لإعدادهم لتولي القيادة ولعب دور أساسي في المشهد السياسي البحريني بشرط نبذهم للعنف، بدأوا يضغطون على الوفاق من أجل الانفصال التام عن هذه التيارات التي كشف عن حجم عنفها، ويضغطون عليها من أجل البقاء في الحوار.ومن جهة أخرى تضغط تيارات الوفاء وحق والشيرازيين على الوفاق من أجل ترك هذا الحوار والتخلي عنه والانضمام لها في ثورتها مهددة الوفاق بحرمانها من الشارع، فكيف تجمع الوفاق بين هذين الرأيين المتناقضين وتوفق بينهما؟تعتقد الوفاق أنها تستطيع أن ترضي الطرفين بانتظار معجزة، بانتظار ضعف السلطة، بانتظار وقوع أخطاء في أدائها تجبرها على الرضوخ لشروطها وتقوي موقف الوفاق التفاوضي.الحل الوحيد لتوفير هذه الأجواء هو تبني الخطاب التحشيدي ورفع السقف الخطابي الذي يرضي تيارات الممانعة، ويدفع ربما إلى وقوع صدام أمني ربما يسقط قتيلاً أو إصابة تضعف موقف السلطة وتؤدي إلى تحسين وضعها التفاوضي.حتى إصدار بيانات إدانة العنف لإرضاء الحلفاء الأمريكيين لا تنسى أن تضيف له العبارة التالية (إن صحت رواية «الداخلية» التي لا نصدقها) مصاحبة لكل بيان إدانة، فتمحي بهذا السطر كل ما سبقه، لإرضاء تيارات الممانعة.بمعنى قطرة من بحر هنا، وقطرة من بحر هناك تطفئ بها غضب الطرفين (جمهور التيارات الممانعة من جهة والأمريكان والبريطانيين من جهة أخرى) كي تقنع نفسها أنها مازالت متحكمة في المشهد السياسي قادرة على المماطلة إلى أن تحدث معجزة.ومع تصاعد النجاحات لمملكة البحرين على جميع الأصعدة المحلية والدولية وترميم ما هدمته الوفاق، ومع انصراف الناس عن الاهتمام بالحوار وبالوفاق، ومع انشغالهم بأمور دنياهم ودينهم خاصة في رمضان، لم يكن بإمكان الوفاق أن تجمع الآلاف في أول دعوة لها بعد تعطيل الحوار في رمضان، وتنكشف عورتها أمام حلفائها الذين مازالوا يراهنون على حصانهم، لولا رهانها على قصة الفتاة التي ادعت أنهم عروها لتنقذهم من ورطتهم.فالاعتصام من بدايته لنهايته لم يتطرق إلى الإصلاحات السياسية، ونسي الحديث عن الديمقراطية وعن مطالب الحوار وركز فقط على خطاب «الظلاميات» التي تتعرض لها الطائفة، والتعذيب الذي تتعرض له الطائفة، والاغتصاب، ونزع الثياب الذي تتعرض له نساء الطائفة، و..و.. و وكل ما يساهم في التحشيد، وشحن النفوس ويلقى هوى عند تيار الممانعة ويبقيه على اتصال مع جمهور الوفاق حتى لا تنكشف الوفاق أمام حلفائها وتظهر عورتها.من جهة أخرى تعزف صحيفة الوفاق على وتر الربط القصري بين أحداث العنف والحوار، وهذا نقيض لما تدعيه الوفاق من تبرؤها من العنف، وبأن من يقوم به هم جماعة أخرى لا صلة للوفاق بهم، كما إن من يقوم بالعنف جماعة تعلن رفضها للنظام ورفضها لوجود شعب بحريني غيرها، وتعلن أن أهدافها هي إسقاط النظام وترحيل (المرتزقة والمجنسين إن لم يكن إعدامهم) فكيف ستنتهي أعمال العنف بعد أن ينتهي الحوار؟ إذ حتى لو انتهى بتحقيق جميع مطالب الوفاق فهي دون مطالب التيارات الأخرى بكثير ولن تقبلها وهي تعلن رفضها لها من الآن وستظل تمارس العنف لعبتها الوحيدة وأداتها الوحيدة.فما الذي يجمع بين أحداث العنف والحوار إذاً؟ أليس هذا ما قاله البلتاجي للمصريين؟ إذا أردتم توقف العنف في سيناء نفذوا طلباتنا!هذا الرقص على الحبال لعبة لا تجيدها الوفاق، فهي الآن تتخبط، وستسخر كل حلفائها إن لم تحسم أمرها، فبقاؤها في الحوار بغضب تيارات الممانعة وخروجها من الحوار يغضب أصدقائها الغربيين، وهي بهذا الرقص على حبل التيارات الممانعة بالتحريض والتحشيد من الأمين العام تلعب بالنار، وتجازف مجازفة خطيرة في مثل هذا الوقت، لسبب بسيط جداً، أن الوفاق ومعها حلفاؤها الاثنان غفلا عن عنصر محيد إلى الآن وهو الشارع البحريني الذي تمرد على جماعة المرشد الإيراني سابقاً، وبلغ صبره منتهاه الآن خاصة وهو يرى نجاحات حملة التمرد التي قادها الشعب المصري ضد الجماعة الدينية رغم تحالفها مع أمريكا، وبلغ صبره مداه وهو يرى الأمانة العامة في الوفاق المتذبذبة الحائرة بين الحليفين مستعدة لإغراق البلد بموجة عنف ثانية دون حسبان لتبعات هذا التصعيد، هذا «الشارع» هو العنصر الذي غفل عنه حلفاء الوفاق، غفلت عنه أمريكا في مصر وغفلت عنه في البحرين، هذا العنصر الفاعل في المعادلة السياسية أبطل مفعول التحالف بين الجماعة الدينية وبين الأمريكان وقادر مرة أخرى على إبطال هذا التحالف في البحرين، فإن أراد الأمريكان والبريطانيون الإبقاء على حصانهما الفاشل (الوفاق) وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صفقتهم الفاشلة فلينصحوا (رفيجهم) أن يعقل، ويقبل بتقليل حجم الخسائر بدلاً من الخسائر التامة.فالحوار مخرجها الوحيد، وانفصاله التام والحازم والواضح والمعلن والصريح عن جماعات العنف هو صصسبيلها الوحيد للبقاء في الملعب السياسي الدستوري، أما هذا الرقص على الحبال فمكشوف وسمج ولا ينطلي على أحد.