بالأمس ظهرت إرهاصات مبادرة وطنية جديدة بتوجيهات من جلالة الملك لمعالجة تداعيات أزمة 2011، وهي مبادرة تعكس المرونة التي يبديها القصر تجاه مختلف القضايا الوطنية، فالمحاولة وتوقفها لا تعني تماماً عدم إمكانية المحاولة مجدداً بنفس الطريقة أو بطرق مختلفة. طبعاً هناك تذمر يسود اتجاه من اتجاهات الرأي العام البحريني تجاه تعليق استكمال الحوار الوطني مؤخراً، ولكن هذا التذمر لا يعني أبداً عدم إمكانية تكرار محاولات الحوار مرات ومرات بشكل أو بآخر، لأن الهدف واحد، وهو ضمان أمن واستقرار المملكة، والحفاظ على نسيجها الاجتماعي ووحدتها الوطنية. وفي الوقت نفسه لا يعني ذلك أن من أخطأ من الممكن أن يفلت من العقاب، فهناك نظام قضائي له هذه الوظيفة. بتجربتي الحوار في 2011 ثم 2013 هناك فروقات كبيرة، وأعتقد أن تجربة الحوار الوطني من التجارب السياسية الجديدة على مجتمعات مجلس التعاون الخليجي التي لم تعتد إقامة مثل هذه الحوارات لمناقشة القضايا الوطنية بالشكل الذي تم في المملكة. مجتمع البحرين تعددي، وهذه الحقيقة أثبتت جدواها جداً في العام 2011 عندما نجح حوار التوافق الوطني بمشاركة كافة مكونات المجتمع من طوائف ومؤسسات وجماعات. ولكن الحوار الذي استكمل في 2013 ضم عدداً أصغر وكان من المتوقع أن يكون أكثر نجاحاً وفاعلية، ولكنه لم ينتهِ إلى هذه النتيجة للأسف الشديد. في الحوار الأول واستكماله الثاني اتسم الحوار بالعلنية والاجتماعات الجماعية، وهذا أسلوب من أساليب الحوار، ولكن أنماط الحوار متعددة ويمكن الاستفادة منها طبقاً للظروف والاحتياجات والمصلحة العامة. ما تابعناه بالأمس من اللقاءات الثلاث التي أقامها سمو ولي العهد مع ثلاث أطراف رئيسة «السلطة التشريعية، وائتلاف الجمعيات الوطنية، وجمعية الوفاق» عكس حرص الدولة وقناعتها بمبدأ الشراكة في المصلحة والرأي. ولذلك فإننا أمام نمط جديد من الحوار، ومن أساليب معالجة القضايا الوطنية. ومن السابق لأوانه إبداء أحكام أو وجهات نظر مسبقة حول شكل ونتائج هذا النمط، ولكنها مسألة وقت.من المتوقع استمرار هذه اللقاءات بشكل منفصل وليس بشكل جماعي، وستكون صورتها أكثر وضوحاً خلال الأسبوع المقبل، وما يزيد من التفاؤل أنها تحظى برعاية واهتمام من جلالة الملك، ولن تتجاوز مصالح أي مكون من مكونات المجتمع المحلي. الجدية مطلوبة من كافة الأطراف للوصول إلى تفاهمات حقيقية تحقق المصلحة العامة، والانفعال السلبي لن يقود إلا إلى انفعالات سلبية أخرى. والحقيقة الكبرى التي يجب أن نفهمها اليوم أن آليات الحوار ومعالجة المشاكل لم تنتهِ، وليس لها خط رجعة في البحرين، فالآليات متاحة دائماً، والوقت لن يشكل عائقاً لمعالجة الأزمات دوماً مادامت النوايا صادقة أكثر فأكثر.