لفت نظري قول وزير المتابعة في البرنامج التلفزيوني «أبعاد وآراء» ففي تعليقه على ما ورد في التقرير الأخير لديوان الرقابة المالية ذكر الوزير أنه «لم يلحظ في التقرير أي انحرافات سياسية، وإنما كلها مخالفات فردية إدارية بسبب القصور في المراقبة والمتابعة، وناتجه عن قصور في الأنظمة أو في التعليمات الإدارية بالوزارة المعنية أو في الالتزام الدقيق بالتعليمات، وإنني أؤكد على أهمية معالجة الخلل أينما وجد». فإذا كان هذا رأي وزير المتابعة وعضو اللجنة التنسيقية والناطق باسمها، فماذا يقول سعادته عن تصنيف اللجنة للتجاوزات التي رصدها تقرير الديوان، والذي بينه الوزير في أكثر من تصريح له، وقال بشأنه إن اللجنة صنفت المخالفات والتجاوزات إلى ثلاث مخالفات فيها شبهة فساد أو شبهة جنائية وعددها ارتفع من 20 إلى 25 مخالفة حولت إلى الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي، وبدورها قامت بتحويل خمس من هذه المخالفات إلى النيابة العامة، وبصدد تحويل خمس أخرى الأسبوع القادم.والتصنيف الثاني هي المخالفات التي تحتاج إلى تشكيل لجان تحقيق بالجهات المعنية وعددها 33 مخالفة، أما المخالفات التي قد ينطبق عليها تصريح الوزير فعددها 404 مخالفات صنفت على أنها إجرائية وحولت إلى وزارة المتابعة لاتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها بالتنسيق مع الجهات الحكومية. ولا أظن أننا بحاجة لتذكير الوزير بجسامة المخالفات من الصنفين الأول والثاني وعددها 58 مخالفة، فالمجال لا يتسع لشرحها، لكنني سأكتفي هنا بتذكير سعادته بما ورد عن جهة واحدة فقط وهي وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني والتي تفوقت على كافة الجهات الأخرى في عدد وأنواع المخالفات، فقد استأثرت هذه الوزارة بعدد 8 مخالفات بها شبهة فساد و17 مخالفة تحتاج إلى تشكيل لجان تحقيق، و72 مخالفة تحتاج إلى متابعات أجرائية لتصحيحها ومنع حدوثها مستقبلاً. وأول هذه المخالفات هي أن وزارة البلديات ليس لديها ميزانية أصلاً، ولا نقول ميزانية معتمدة من وزارة المالية ومجلس الوزراء حسب القانون، وأن هذه الوزارة دأبت منذ عام 2002 حتى عام 2013 على سحب مبالغ من صندوق الموارد البلدية المشتركة، وهو صندوق يتبع المجالس البلدية والبلديات الخمس، وليس للوزارة علاقة به. المهم قدرت المبالغ التي تسحبها الوزارة من هذا الصندوق بخمسة ملايين دينار سنوياً ابتداء من عام 2002، أي أنها سحبت حتى عام 2013 حوالي 60 مليون دينار، وابتداء من عام 2007 أخذ ديوان الرقابة المالية يكرر في تقاريره مطالبة الوزارة بإرجاع المبالغ التي سحبتها إلى الصندوق، غير أن الوزارة لا تلبي هذا الطلب، وإنما تستمر في السحب منه، دون تدخل من وزارة المالية ومن مجلس الوزراء الذي تصرف أموال الصندوق تحت إشرافه. خصوصاً إذا علمنا أن وزارة شؤون البلديات أنشئت من أجل أن تكون وزارة تنسيقية بين المجالس البلدية وما تنفذه من مشروعات وتصرفه من أموال صندوق مواردها، وبين مجلس الوزراء، وبالتالي فهي ليست وزارة تنفيذية تقوم بإقامة المشاريع والتوقيع عليها وإدارتها كما كان يحدث طوال سنوات في ظل ضعف وتهميش المجالس البلدية المنتخبة. وفي التقرير العاشر لديوان الرقابة المالية وردت مخالفات جسيمة أهدرت فيها هذه الوزارة المال العام من جراء قيامها بالدور التنفيذي وتطاولها على اختصاصات المجالس البلدية، من هذه المخالفات على سبيل المثال العقد الذي وقعه مسؤول بالوزارة لتطوير وإدارة متنزه عذاري وذلك في عام 2004 والذي بمقتضاه تقوم شركتان باستثمار متنزه عذاري لمدة 32 سنة تدفع للوزارة كل سنة 99 ألف دينار تزاد بنسبة 20% سنوياً.وإن الشركتين لم تكن تدفع ما عليها بانتظام مما تراكم عليها لصالح الوزارة مبلغ 409 آلاف دينار، إضافةً إلى الإخفاق في متابعة تنفيذ بنود الاتفاق الأخرى. كما قامت الوزارة بإنشاء سوق النويدرات في عام 2008 بكلفة 153 ألف دينار إلا أنها لم تقم بتأجير أي محل منه حتى تاريخه، وهناك معرض الإنتاج الحيواني الذي تعاقدت الوزارة على إقامته بمبلغ 1.5 مليون دينار وفاقت مصروفاته 3.5 مليون دينار أخذت معظمها من صندوق الموارد البلدية المشتركة مع أن المشروع يتبع جانب الزراعة، ثم هناك مجمع سترة الذي أنشأته الوزارة وأوكلت إدارته إلى شركة لمدة 6 سنوات تبين بعدها أنه لم يدخل فلساً للوزارة بل إن التزاماته وخسائره فاقت 3 ملايين دينار. وبالإضافة لذلك شملت مخالفات هذه الوزارة كل أوجه أعمالها في مجالات التخطيط والتعمير ودفع مستحقات شركات النظافة، وفي قسم البيطرة الذي أدخل أبقاراً مريضة بالسل، والزراعة التي اشترت المحرقتين، وقسم الإعلانات، ونافورة المحرق التي غرقت في البحر، وغيرها من التفاصيل التي أثبتت أن عمليات الفساد وهدر المال العام في هذه الوزارة متجذرة وقديمة، ومرتكبة من أشخاص متنفذين فيها، وليس هي «مخالفات فردية إدارية ناتجة عن القصور في الالتزام بالتعليمات» كما يقول وزير المتابعة. بقيت الإشارة إلى أن تقرير الديوان أوصى في سنوات سابقة بتشكيل لجان تحقيق في هذه الوزارة، وأن المسؤولين فيها قاموا بتشكيل لجان تقصي حقائق انتهت إلى إصدار أحكام بالبراءة دائماً وعلى الجميع!!
Opinion
إلى وزير المتابعة مع التحية
13 فبراير 2014