من يراجع المحطات الساطعة في تاريخنا البحريني الحديث.. وأعني منذ انطلاقة العهد الزاهر لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، سوف يلاحظ خصوصية معينة وهي أن أعظم إنتاجاتنا الوطنية جاءت نتيجة توافقات وطنية وتكرست ضمن حوارات وطنية خلاقة ومنجزة وواعدة.. فميثاقنا الوطني جاء نتيجة توافق وطني، ومشروعنا الإصلاحي جاء ثمرة لتوافق وطني، وعندما أدخلت البلاد في أزمة خانقة لم نجد طريق الخروج إلا عبر حوار وطني توافقي.. وعندما عادت بعض مدخلات الأزمة لتهيمن على أجواء البلاد، لجأنا إلى ظل الحوار الوطني ليقينا صهر شمس الخلاف والاختلاف.. وهكذا فقد اختبرنا إمكانيات التوافق الوطني في مرات عديدة ومحطات متعددة ومتنوعة؛ بل إن المجلس الأعلى للمرأة عندما أراد طرح مشروعه لمدونة الأحوال الشخصية اختار بتوجيه من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للمرأة، أن يحتكم إلى الحوارات الوطنية، محاولاً تكريس حالة من التوافق الوطني لصالح هذا المشروع الذي اصطدم بعوامل لا مجال هنا لشرحها أو طرحها.وإذا كان لنا أن نفاخر في هذا البلد الطيب، فلا شك أن من أبرز ما نفاخر به هو حواراتنا الوطنية المنجزة والتي أثبتت دائماً بحمد الله وبحكمة قيادتنا الرشيدة وهمة أبناء شعبنا العزيز أنها قادرة على رؤية الضوء الواعد في آخر النفق المظلم وأنها أداة وطنية عظيمة للاسترشاد بكل ما يفتح الآفاق الرحبة أمام وطننا الحبيب واستشراف ما يسهل السبل أمام قاطرة الوطن سياسياً وتنموياً واجتماعياً واقتصادياً.. غير أن الأمر الذي ينبغي لكل بحريني أن يعتز به هو أن ملك البلاد وقائدها وعاهلها المفدى جعل دائماً من نفسه ومن مقامه السامي قدوة وأنموذجاً فريداً على مستوى المنطقة في سرعة الاستجابة لنتائج الحوارات الوطنية التوافقية والمبادرة من لدن جلالته إلى تنفيذها.. وهناك حشد من النماذج الباهرة لهذه الحالة الرائعة من الاستجابات الملكية المباشرة والشخصية لنتائج ومقررات وتوصيات الحوارات الوطنية والتوافقية.. وهو الأمر الذي يدفعنا إلى أن نتمنى لو أن بعض الجمعيات والتيارات السياسية في البلاد تنتهج ذات نهج صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى في الاستجابة لهذه التوافقات الوطنية والالتزام بها حتى لو لم تكن تحقق كل ما تهدف إليه أو تطالب به.. فالمنجزات الوطنية لا تحدث كلها مرة واحدة، والرب عز وجل ــ وله المثل الأعلى ــ اختار وهو ينزل قرآنه وشريعته على خير خلقه أن يكون ذلك بالتدريج وبعد أن تكتمل كل مرحلة من المراحل المفصلية في قوام هذا الدين وقوام شريعته السمحة..وفيما نقف على أعتاب العام 2014، ونراقب عن بعد ما يحدث في كثير من أقطار الدنيا، من مجازر وخلافات يتم التعامل بها اعتباطياً ووفق عصبيات إثنية أو طائفية أو سياسية أو عقائدية أو غير ذلك من العصبيات التي تهدر الدماء وتزهق الأرواح وتراكم الجثث في الطرقات وتحيل الأراضي الزراعية والمدن إلى مقابر لأبناء تلك البلدان.. نقول: فيما نراقب ما يجري حولنا، لا نملك إلا أن نحمد الله ونشكره كثيراً على نعمة الأمن والأمان، ونعمة الاستقرار.. وقبل ذلك نعمة الحكمة التي تتمتع بها قيادتنا الرشيدة، والتي اختارت دائماً وفي كل محطات الخلاف والاختلاف أن تلجأ إلى الحوار بين فئات وشرائح الشعب الواحد، والى نهج التوافق الوطني، ليكون الطريق الأكثر حكمة واعتدالاً وعدالة في الوصول إلى ما نأمل وما نتمنى وما نستطيع.. فليس كل ما نريده يجب أن يتحقق.. لأن هذا من المستحيلات التي عجزت عنها أعظم الدول والشعوب.. وليس كلنا في الوطن الواحد نريد أمراً واحداً.. وليس الاختلاف بين أبناء الأسرة الواحدة إلا دليل صحة وحياة طالما لم يصل حد الاقتتال والتدخلات الخارجية.وفيما نتطلع إلى هذا العام الجديد، ونحاول التمني، فإن أفضل ما يمكن أن نتمناه ونعمل لتحقيقه، هو أن يكون العام 2014 عاماً للتوافق الوطني من أجل الوطن وأهله.. ومن أجل البحرين الحبيبة وشعبها الطيب.. ومن أجل أبنائنا وأحفادنا وأجيالنا القادمة التي سوف تسألنا ويسألنا التاريخ أيضاً عما فعلنا لإبعاد سفينة الوطن عن خطر الاختلافات العصبية والطائفية.. وتجنيبها أمواج الحقد والبغضاء والكراهية.. وحمايتها من التدخلات الخارجية.. وتحصينها أمام كل الطامعين والعابثين والمراهنين على حياتنا ومقدراتنا وأبنائنا وعقولنا وأرواحنا..إنها بالتأكيد أمنية وطنية جامعة.. من وجهة نظري: أن يكون هذا العام الجديد.. عام 2014.. عام توافق وطني عام وشامل.. وعام احتكام للعقل لا للعاطفة.. وللضمير لا للحسابات السياسية.. وللبناء لا للخراب.. وللخلاص لا للتعقيد والتصعيد والتطرف.. وكل عام والبحرين قيادة وشعباً وأرضاً وسماءً وماءً وتراباً وورداً ومشموماً بألف خير..!