عندما استضافت السوسة الإيرانية «فضائية العالم» يوم الأول من يناير في برنامجها اليومي «المباشر» عن البحرين قيادياً من جمعية الوفاق عبر الهاتف وسألته عن الذي حدث «قبل قليل» في السنابس قال الحقيقة التي يجب أن تقال، قال إن المعزين الذين يقيمون العزاء في ذكرى وفاة الرسول «ص» في السنابس كانوا قد كتبوا في ذكرى أربعينية الإمام الحسين قبل أسبوع شعارات ضد رموز الدولة ووضعوا صورهم على الأرض كي تداس بالأقدام، فتم استدعاء المسؤولين عن المآتم المعنية، وإن الأمر نفسه تكرر هذا اليوم، وإن الداخلية دفعت بأعداد كبيرة من شرطة مكافحة الشغب لمواجهة «المعزين». ما قاله كان اعترافاً طيباً بأن الداخلية «ما عالت» على المعزين، وأن المعزين هم الذين تجاوزوا كل الخطوط وأقحموا السياسة في العزاء وحولوه إلى مظاهرة غير مرخصة. وبغض النظر عن الطريقة التي سرد فيها الوفاقي سبب المواجهات ونزول شرطة مكافحة الشغب -ربما لأول مرة في تاريخ العزاء في البحرين- إلى الطرقات التي تسير فيها مواكب العزاء ومحاولته التقليل من شأن الخطأ الذي ارتكبه المعزون، بغض النظر عن هذا؛ فإن اعترافه بالأسباب يعني أن «المعارضة» وصلت إلى الحد الذي لم تعد تستطيع معه أن تنكر أو «تدفدف على ربوعها»، بل إن الإحساس بأن الخطأ كبير وفيه تجاوز للدولة ولتقاليد العزاء، اضطر «المجلس العلمائي» إلى إصدار بيان يطلب فيه عدم إقحام السياسة في أمور العزاء. هذه الاعترافات وما صار يقوله كثيرون من المحسوبين على الجمعيات السياسية عن هذه التجاوزات من أنها غريبة وشاذة ومرفوضة يعني أن التجاوز الحاصل غير بسيط وغير «مبلوع». أما رسالة الحكومة في ذلك اليوم فكانت واضحة وبليغة، قالت فيها بصريح العبارة إن استغلالكم للعزاء والمعزين وتلويثهما بالسياسة أمر غير مقبول وسيتم التعامل معه بحزم وشدة. أما العاقلون من الذين يهمهم أمر العزاء فصاروا بعد كل تلك التجاوزات التي شهدوها يقولون إن نتيجة تلك الأفعال الصبيانية هو اتخاذ الدولة موقفاً من العزاء والمعزين، وإنهم لا يستبعدون أن يشهدوا يوماً تمنع فيه الدولة العزاء في الشوارع، فتحدث مواجهات يسقط فيها ضحايا. هذا ما حدث في اليوم الأول من السنة الميلاديـــة الجديـــدة، والذي صادف ذكـــرى الاحتفال بوفاة الرسول الكريم «ص» حسب التاريخ المعتمد لدى الشيعة، لم يكن لطيفاً رؤية رجال الأمن وسط المعزين، ولم يكن لطيفاً رؤية المعنيين بالعزاء «يتفاهمون» مع ضباط الداخلية كي يواصل موكب العزاء طريقه، لكن ما ينبغي تأكيده هنا هو أن رجال الأمن لم يحضروا لمنع إقامة الشعائر الدينية التي يكفلها الدستور ولكنهم حضروا لمنع التجاوزات التي تمثلت في رفع شعارات ضد الدولة وكتابة أسماء الرموز ووضع صورهم على الأرض لتداس من قبل المعزين. هذه الحقيقة ينبغي تدوينها والاحتفاظ بها لأنها ستكون سنداً مهماً يتم الرجوع إليه عند تكرار ذلك الفعل الأحمق الذي يفترض ألا يقبل المعنيون بالمآتم والشيعة به، لأنه ببساطة يعطي الآخر حق إهانة رموزهم، الأمر الذي سيؤدي إلى دخول الجميع في «شغل اليهالوه» الذي لا علاقة له لا بالسياسة ولا بالأخلاق.قبل بضع سنين نشرت الزميلة «الأيام» رسماً كاريكاتيرياً للسيد الخامنئي، ورغم أن هذا أمر عادي تمارسه كل صحف العالم إلا أننا فوجئنا بأعداد كبيرة من الشيعة يتجمعون عند بوابة مبنى الصحيفة ويطالبونها بالاعتذار ويتهمونها بالطائفية.ترى كيف سيكون رد الفعل لو أن البعض تجاوز حدوده ووضع صور السيد الخامنئي على الأرض في مناسبة جماهيرية لتسحق بالأقدام؟أعرف الجواب؛ لكني أريد أن أسمعه من الذين أوجهه إليهم ومن «السوسة» الإيرانية التي عبرت عن دهشتها من رد فعل الداخلية في ذلك اليوم!