في طفولتنا، التي نراها الآن أجمل ما تكون، نسينا الصعوبات التي تجاوزناها، أقول في طفولتنا كنا نعيش أفراحاً متوالية ومتتالية؛ إذا عرفنا أن الأهل سيأخذوننا في رحلة إلى البر في مثل هذه الأيام، حيث الأرض تنمو بالأعشاب، وحيث الأخضر يغمر مساحة المكان بالمحبة. ما أن نسمع خبر الرحلة أو (الكشتة) حتى نرى أنفسنا في حالة من حالات التأهب الكامل، نجهز ما نراه مناسباً، وبالطبع نحاول ألا نقوم بما يغضب الأهل وإلا منعنا من الذهاب، وهذا عقاب ما بعده عقاب.من هذه الزاوية أرى أن الحياة التي نعيشها ليست أكثر من رحلة، رحلة من ظلمة رحم الأم إلى ظلمة رحم القبر، هما ظلمتان وما بينهما تبدأ رحلة الإنسان.ونحن أطفال، في الخمسينات، كنا نذهب مدججين بالرغبة الكاملة في التمتع بكل ما يهبنا أي مساحة الصخير، أو الصعود أكتاف جبل الدخان. نضحك ونبتسم ونادراً ما نتعارك. نذهب هنا وهناك، نتسلق التلال ونجري في بعض الأحيان وراء الأرانب البرية أو الجرابيع (الفئران البرية) أو نتابع آثار أي ضب. كل ما أريد أن أقوله هو أن اندماجنا الكلي مع المتعة التامة الكاملة الذاهبة هو الذي يقودنا إلى المزيد من الفرح الداخلي.وإذا اقتنع غيري معي أن الحياة رحلة، رحلة لمرة واحدة، ولا أتصور نفسي أنني أذهب إلى أية رحلة من حياتي، لكي أتعذب أو أشتكي، أو أني أتذمر من الآخرين لأنهم لم يعطوا لي ما أريد، أو أن هذا الجبل ليس كما أريد أن أراه، أو أن قرص الخبز قد كسر جزء منه.وإذا كانت رحلات الخمسينات قد عرفتنا على ما لا نعرف من أمور جديدة بالنسبة لأعمارنا، فإن الرحلة الحياتية تجعلنا نكتشف أنفسنا ونكتشف الواقع الذي نعيشه، نتعلم من الآخرين، الأحياء والمــــوتى، الأفكـــار والفلسفـــات والديانات، كيفية العيش بانسجام مع كل ما نفكر به أو نشعره بعواطفنا أو نلمسه باليد ونتذوقه باللسان والجلد. وكــل رحلة لا تكـــون رائعــة إن لم نمر بمتغيرات في مناظرها الطبيعية والمشاعر التي نشعرها ونحن ننتقل من الهبوط للصعود، من اليابسة للمياه العذبة، ومن السهل إلى الجبال، إن جمال الرحلة يكمن بمرور الإنسان على ما لا يحصى من البيئات المختلفة ورحلة الحياة لا تحلو إلا من خلال تجاوز الصعاب، عبر نظرة متفائلة تقول إن كل شيء في حالة من التغيرات التي لا تتوقف، فإذا كنت الآن أعيش في حالة من حالات الحزن والألم، فإن هذه الحالة سوف تزول مع الوقت، وإلا ما عشنا في حركة الليل والنهار الدائمة، أو ما عرفنا الفصول الأربعة؛ من صيف وشتاء وخريف وربيع. وعلينا أن نتذكر دائماً، وفي كل الأوقات، أن بعد العسر يسرا.من هنا علينا أن نتمتع بكل يوم من أيام حياتنا، وبكل لحظة من يومنا، واضعين في اعتبارنا أن بعد الشتاء الذي نحيا سيأتي الربيع الذي نحب.تمتع الآن بكل ما تملك، واترك المستقبل يحل مشاكله بنفسه.