المجتمع البحريني فقد الثقة في قدرة و رغبة أو إمكانية سلطات الدولة المحاسبة، سواء كانت محاسبة سراق للمال العام أو محاسبة المهملين أو المقصرين في أداء مسؤولياتهم و مهامهم السياسية.منذ عشر سنوات وأدوات الرقابة والمحاسبة موجودة بين يدي المجتمع البحريني، بعد أن أقرها ميثاق العمل الوطني والتعديلات الدستورية الأولى، ومنذ عام زادت مساحة هذه الأدوات واختصاصاتها لدى السلطة المنتخبة ولكن عجزت هذه السلطات أو تخاذلت –اختر ما شئت- عن استخدامها حتى اللحظة.حتى الحكومة لها اختصاص محاسبة وزرائها ضمن نظامها الداخلي كسلطة تنفيذية، وحتى الوزارات لها أيضاً سلطات اختصاصات للمحاسبة الداخلية وللإحالة للنيابة في حالة ثبوت أو حتى وجود شبهات جنائية، لكنها لم تفعل إلا فيما ندر وبالحدود الدنيا، وعاملتها بمبدأ إذا بليتم فاستتروا.السلطة التشريعية تملك كل الصلاحيات للمحاسبة، السلطة القضائية ليس لديها موانع أوخطوط حمراء أمام جنس أو نوع أو فئة مجتمعية، ولكن منذ عشر سنوات ونحن نتقاذف كرة المحاسبة كما هي لعبة فتح علب الهدايا التي يتقاذفها اللاعبون خوفاً من توقف الموسيقى وبقاء اللعبة في يدهم. الحجج الواهية التي لاحصر لها تلك التي تذرع بها مجلس النواب يتحمل كل نائب فيهم على حدة جريمة تضليل الرأي العام بها، و لجان الحكومة التي تتشكل بعد كل تقرير للرقابة المالية هي مقبرة للقرارات، حتى فقد الناس الثقة بوجود رغبة في المحاسبة وفقدوا الثقة لا بالأشخاص بل صدقوا أن الأدوات الموجودة غير كافية، وهذا ما احتج به من أراد خيانة وطنه، حتى استغل من يريد أن يفتح باب التدخل الأجنبي لخيانة وطنه هذا العجز مدعياً أن النص به قصور وأن الأدوات غير كافية، وأنه لابد من إسقاط النظام حتى نستطيع أن نحاسب الفساد!! (للتصحيح لمن يقول إن ما حدث كان حركة تصحيحية إصلاحية و ليست ثورة .. نذكركم أنه كان انقلاباً على الدستور وخيانة لشركائكم في الوطن .. هذه هي التسمية الصحيحة لما حدث .. لم يجف حبر «باقون حتى يسقط النظام» الذي صورتم تحته متكاتفون بعد حتى تجملوا أنفسكم الآن) ما علينا .. نعود لما هو مهم. النفس الأمارة بالسوء ليست ماركة بحرينية مسجلة، كما أن الإهمال والتقصير داء لم ينشأ في البحرين وغريب عن بقية المجتمعات، كل تلك الظواهر وجدت منذ قابيل وهابيل وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، العبرة في كيف تتعامل الدول مع هذه الظواهر، كيف حدت منها وكيف تجعلها في أضيق الحدود حتى تصبح ـ إن حدثت- استثناء، العبرة في استخدامها لحقوقها الدستورية استخداماً سليماً، وما ينقصنا الآن هو تفعيل ما بيدنا واستخدام ما هو حق لنا وضمن اختصاصنا الدستوري.ما ينقصنا هو إعادة الثقة (بالسيستم) بالنظام الإداري للدولة، وبأنه ممكن في البحرين «إقالة» وزير، أو «طرح الثقة» بوزير، ولن تقف الكرة الأرضية ولن تهتز الأرض من تحت أقدام البحرين.لا نبحث عن أكباش فداء لكن هناك هدراً في المال العام فظيعاً يتجاوز النصف مليار، هناك سوء توزيع في الميزانية وميلان فظيع في الكفة هناك تمسك بالثمانين شخصاً وتدويرهم منذ أكثر من عشر سنوات دونما محاسبة سياسية للمخطئ منهم، هناك مراعاة لأشخاص على حساب المصلحة الوطنية.المجتمع البحريني بحاجة لإجراء محاسبي يعيد الثقة بـ«السيستم».