دراسة قبل عدة شهور عن مستشفى الطب النفسي تقول بأن أكثر من نصف البحرينيين مصابون باضطرابات نفسية! واليوم يبدو أن النصف الآخر سيصاب بـ «جلطات» بسبب هذا الإهمال الذي يعانون منه وبـ «تعمد» عبر رفض تحقيق رغباتهم وتطلعاتهم التي هي أصلاً حقوق لهم وواجبات تؤديها الدولة.مـــع كل الاحترام لـ «شخص» وزيـر الماليــة ووزير مجلسي النواب والشورى، لكن لا يعقل يا جماعة أنه كلما جاء الحديث في البرلمان عن «زيادة رواتب الناس» أن تعاد تشغيل نفس الأسطوانة، وأن مجرد زيادة هذا الراتب ستؤدي بالبحرين لكارثة مالية وبتجلس الدولة «على الحديدة»!صلوا على النبي يا سعادة الوزراء، لما تأتي الأمور على رواتب الناس وزيادتها «زيادة بسيطة» وليست مثل الزيادات التي تحصل في دولة قريبة منا، تقوم القيامة حتى قبل أن يذهب الاقتراح لمجلس الشورى والحكومة؟! يا جماعة أوقفوا حركة «حائط الصد» هذه!لما يحتاجكم المواطن لتسهلوا أموره، ولتثبتوا صدق المقولة بأن «المواطن هو محور الاهتمام»، هذا الرد الذي يتحصل عليه هو ومن فقط «يتجرأ» من النواب للحديث عن هذا الموضوع.لما راتب المواطن يحتاجكم «عون»، ليس من المعقول أن يتحول كل منكم إلى «فرعون»! لا نحتاج هذه الصرامة والتشديد في الرفض بشأن رواتب الناس، بل نحتاجها بشأن إهدار الملايين من موازنة الدولة كل عام والفساد المستشري وزيادة الدين العام بسبب ذلك.هنا أرونا «شطارتكم»، هنا رجاء «تفرعنوا» على المفسدين وحاسبوا من يلعب بالمال العام.صدق كثير من النواب الذين تكلموا في جلسة الثلاثاء بشأن الردود المؤسفة من المسؤولين، إذ هي مسألة لا تدخل العقل، فكما قال النواب «الدين العام لا يثار إلا حين الحديث عن زيادة الرواتب؟!» حدث العاقل بما يعقل، لا يمكن القبول بأن يخرج مسؤول ويقول «زيادة الدين العام ستنعكس بالنهاية على المواطن نفسه الذي سيتضرر كثيراً من هذه المساعدات التي يريدها الجميع»، يعني بالبحريني الفصيح «زيادة راتبك يا مواطن ستضرك بدلاً من أن تفيدك»! وليس مقبولاً أن يخرج مسؤول آخر ليقول «زيادة الرواتب لا تتم إلا بوجود فوائض مالية، والدولة لديها دين عام يبلغ 5 مليارات دولار»! يا أخي «فوائضكم» تعــرف تماماً أين تذهب، وثانياً سوء تصريف الميزانية على مشاريع ليست ذات أهمية مقارنة بأهمية تحسين وضع الناس، والهدر المالي المستمر، والاقتراض الدائم كلها في رقبة الدولة، فلماذا يدفع المواطن ثمنها؟! تحملوا مسؤوليتكم شوي تجاه هذا المواطن، حرام عليكم!تريدون فوائض؟! ذرائع بالدين العام؟! زيادة رواتب الناس ستقصف ميزانية البلد؟! شكلكم لا تقرؤون تقارير ديوان الرقابة المالية، أو تتجنبون قراءتها من الخيبة. لنعطيكم أمثلة على كيفية تمييز الفوائض التي تحولت لأموال محروقة جراء الهدر والفساد وسوء التخطيط.في تقرير هذا العام تقرؤون هكذا عناوين تتضمن معلومات «توقف القلب»:- أول الفضائح، 49 جهة حكومية لم تسلم بياناتها المالية للحكومة، و7 جهات حكومية لم تحول فوائضها المالية بقيمة 4.7 مليون دينار.(سعادة الوزير يقول ما في فوائض!).- عدم استغلال 24 مليون دينار مرصودة لعدة مشاريع ويتم تدويرها منذ سنوات عدة. (وزارات تطلب أكثر من حاجتها وتعطونها ملايين، هذا دليل التخطيط الفاشل، أليس هذه أموالاً فائضة؟!)- البلديات تنفق 49 مليوناً من الصندوق المشترك في 3 سنوات دون موافقة مجلــس الوزراء. (وزير المالية ووزير المجلسين، شالقصة بالضبط في هذا الموضوع؟!).- «بابكو» استبعدت مواد من مخازنها لعدم الحاجة إليها بـ 14 مليون دولار. - متأخرات أحد المستأجرين من المطار 2.4 مليون دينار.- «ألبا» 7.5 مليون دينار كلفة مواد لــم تستخدم منذ 2008.- مكافــــأة الأداء «البونـــــس» لموظفـــــي ممتلكات خلال عامين تصل مليونين دينار.- 29 مليون دينار قيمة مشتقات نفطية مستحقة على جهات حكومية.- الكهرباء والماء لم تسدد فواتير غاز بواقع 25 مليون دينار.- وزارة التربية تصرف 7 ملايين من موازنة قدرها 30 مليون خصصت لعام 2012.- الأشغـــال تخصــص 1.3 مليــــون دينـــار لاستشاريين دون وجه حق.- سوق العمل تخالف القانون بالتصالح على مبالغ تقدر بـ7.3 مليون دينار.- الإعلام تسند مناقصة بـ2 مليون دينار دون إعلان رسمي.- 7 ملايين دينار مبالغ تأمين لم ترجعها البلديات لأصحابها، و4 ملايين لم تحصلها من إيجارات مجمع سترة.- الزراعة تشتري «محرقتي خيل» غير مناسبتين بـ118 ألف دينار!- وهذه بحد ذاتها مصيبة، بنك الدم بالسلمانية يبيع الدم إلى المستشفيات الخاصة دون سند قانوني، بل لا توجد كشوفات تبين «إيرادات» البيع! (حتى دم الناس بعتوه؟!)- الجهاز المركزي للمعلومات يوظف 3 استشاريين بـ111 ألف دينار دون موافقة الخدمة المدنية.طبعاً هذا «غيض من فيض» وبحسب ما توفر للصحافة ونشرته من أجزاء لتقرير الرقابة المالية لعام 2012، هذا بخلاف التقارير التسعة السابقة والأرقام المهولة التي فيها، والتي لو جمعت جميعها -أعني التي أهدرت- لربما كفت لسداد الدين العام و«العجز الاكتواري».الزبدة في القول هنا، كل ما نقرأه في التقرير، كل التجاوزات والاستهتار بالمال العالم ليس المتسبب فيه «المواطن»، من تسببوا فيه مسؤولون خططوا بشكل خاطئ، طلبوا موازنات أكبر من احتياجاتهم دليل انعدام الرؤية الاستراتيجية، غياب الضمير والوازع لدى كثير منهم فاستهتر بمال الدولة، غابت المحاسبة الصارمة وانقرضت سياسة «العزل الفـــوري» للمخطئ، وطبعاً العداد يحســـب. بالتالي من «العيب» أن نأتي اليوم لنجعل المواطن يدفع الضريبة، ومن «العيب» أن «نتفرعن» و«نبرز عضلاتنا» على زيادة راتبه وتحسين معيشته بذريعة «دين عام» هو نتيجة فشل مسؤولين ومتنفذين أغلبهم لا يعيشون مثلما يعيش المواطن العادي.نصيحة لوجه الله نقولها هنا إخلاء لضمائرنا ومسؤوليتنا: التفتوا للمواطن، أوقفوا هذا الإحباط، وعينوا في المناصب من هدفه «الحقيقي» خدمة الناس وتحقيق تطلعاتهم.والله الكلام كثير، وقهر المواطنين أكثر، لكن نكتفي بهذا القدر، والله المستعان.