عندما يعتاد الإنسان أو حتى الجماعات الإنسانية على نمط خاص من السلوك السيئ، يكون من الصعب التحرر منه بعد ذلك، بل مع مرور الزمن ربما يكون السلوك الخاطئ جزءاً من شخصية الفرد أو المجموع، وفي غالب الأحيان لا يعتبروه عيباً خلقياً أو أمراً يدعونا إلى التغيير.من أنماط هذا السلوك المنحرف مسائل الفساد، فحين يعتاد الإنسان أو الجماعات البشرية على ممارسة الفساد بشكل يومي وبطريقة مألوفة، تصبح لديهم تلك السلوكيات عادات طبيعية، ولذلك يصعب بعد هذه المرحلة أن يتخلصوا منها لأنها أصبحت جزءاً من وجودهم اليومي.لا يتمثل الفساد فقط في سرقة أموال الناس أو القتل أو الظلم البين، فللفساد أوجه عديدة لا حصر لها، فالشللية فساد، والمحسوبية فساد، والواسطـــة فســـاد، والتقصيـــر فــي أداء الواجـــب الوظيفي فساد، وتعطيل مصالح الناس داخل درج موظف أو فوق طاولتهِ فساد أيضاً، وتجاهل صوت الشارع فساد، وعدم الرد على وسائل الإعلام فساد آخر.بهذه الصيغة يمكن تطويع مفهوم الفساد وتوسعته ليشمل كل مناحي الحياة، حتى لا يتوهم بعضهم أن الفســـاد مجــرد سرقة أو قتل، بل لـــه أشكال متعددة يمكن لنا ملاحظتها في مسيرتنا الحياتية كل يوم، وفي كل زاوية من زوايا محيطنا ووجودنا.كـــم من القضايــا التي كتبنا حولهـــا فيما يتعلق بالفساد الإداري لبعض مؤسسات الدولة، لكن، لأن «الجماعة» لا يعتبرون ذلك فساداً، فإنهم بكل تأكيد لا يتحرك لهم جفن حين ننقدهم، بل ربما يعتقدون أننا كنَّا نكتب عن غيرهم لا عنهم، لأنهم ألفوا أجواء الفساد وتعايشوا معه حتى أصبح جزءاً منهم.إننـــا حيـــن نوجَّه النقد حول أداء مؤسســــات رسميـــة وغيـــر رسميـــة، وبالاسم وبالتصريح المباشر، فتتجاهل نقدنا تلك الجهات، فاعلموا أنها جهات فاسدة، فالجهة التي تعمل بنزاهة، لا تخشى أن ترد، بل تقوم بالرد لأنها مطمئنة من عملها، أما الجهات التي تتهرب من الردّ، فإنها بكل تأكيد تُعتبر جِهات خائفة وجبانة، تخشى المواجهة والمحاسبة، وتحسين أدائها.هنالك مقترح يقول، يجب على ديوان الرقابة المالية والإدارية أن يتابع الصحف اليومية والبرامج التي تبث شكوى المواطنين، كما هو البرنامج الإذاعي الصباحي»صباح الخير يا بحرين»، لمعرفة نوعية وأشكال الفساد الحاصــــل في مؤسساتنا الرسميــــة، والذي يسميه بعضهم أنهُ نوع من «التقصير»، وذلك لأجل التحقيق فيها، والوقوف على ملابساته، وإدراجه في التقرير السنوي للديوان، باعتباره فساداً كبقية الفساد المنتشر هذه الأيام»على أفا من يشيل».لا يكمــــن الحل في كل المشاكـــل المطروحة عبر الصحافة أو الإذاعة بمجرد الطرح المجرد، وبأسلوب التنفيس عن الخواطر فقط، بل الحـــل الحقيقي هو في محاسبة المقصِّر وتقديمه للعدالة، ليكون عبرة لغيره من المفسدين والمقصرين، ولو حصل هذا السلوك القانوني من قبل الدولة تجاه المفسدين من «زمان»، لما احتجنا لكاتب يكتب بشكل يومي عن هموم الناس ومعاناتهم في هذا البلد، ولما احتاجت الإذاعة في البحرين، لبرنامج يومـــي يكرر فيه المواطنـــون ذات المشكلة مع ذات الجهة المقصرة، لكنه الفساد الذي ضرب بأطنابه غالبية مفاصل المؤسسة الرسمية، ومن هنا فإن الفساد زاد ولم ينقص.