البحث العلمي وأهميته في تطوير المجتمع في المجالات المتعددة، له دلالة واضحة في قدسية الدولة للعلم والعلماء، والحرص على مواكبة التطورات في ظل التغيرات الواضحة في المنطقة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي. لا أريد أن أتكلم عن القصور في البحث العلمي في الوطن العربي بقدر ما أريد أن أركز على مدى تأخر مملكة البحرين في البحوث العلمية، صحيح أن هناك ميزانية مخصصة للبحوث والدراسات العلمية إلا أن هذه الميزانية لا تغطي البحوث العلمية التي يجب أن يقوم بها الباحثون في التخصصات المختلفة ودراسة المجتمع وتطبيق للنظريات العلمية المتعددة. البحث العلمي هو سلم للارتقاء بالأفراد ومن ثم بالمجتمع، البحث العلمي هو حلقة وصل مع الدول المتقدمة، وهو جسر لمزيد من المعرفة. أحداث البحرين في 14 فبراير هي بحد ذاتها مادة علمية، يمكن من خلال البحوث العلمية التوصل إلى تداعيات هذه الأحداث والتنبؤ بأحداث مستجدة في المستقبل. لم يعد العلم مقتصراً على القراءة والكتابة وتعلم الحاسوب فقط، وحفظ جزء من تاريخ العالم، ومعرفة سيرة العلماء الذين كان لهم الفضل في وصول العلم لنا، ولا يقتصر العلم أيضاً على البحوث العلمية التي تأتي من الدول الكبرى لنطبقها في مجتمعاتنا، فذلك مجتمع يختلف تماماً عن مجتمعنا العربي والإسلامي له خصائصه وعاداته وموروثاته وقيمه، وهذه الخصائص هي التي تحدد فرضية البحث العلمي وهي من المفترض أن يقام البحث العلمي على أساسه وليس على بحوث جاهزة ومعلبة من الخارج ليتم تطبيقها في مجتمعاتنا ودولنا. البحث العلمي له أهمية عظمى، لذلك من الأجدى أن تخصص الدولة ميزانية تفوق ميزانية الرياضــــة والثقــــافة وإقـــامة الحفلات في المناسبات المختلفة والميزانيات الأخرى، ذلك لأن البحوث سوف تصب في الرياضة والثقافة وعلم الاجتماع والعلوم التطبيقية وغيرها. فإذا أردنا كمجتمع بحريني أن نواكب العلم فعلينا أن نبدأ بالبحوث العلمية فهذه البحوث هي الباقية والمجدية والتي سوف تساهم في تطوير مجتمعاتنا، ومعرفة الثغرات التي يمكن تعديلها من خلال تطبيقات البحث، ونكون بذلك في مصاف الدول العظمى التي تحسب لنا ألف حساب. لم تعد شهادة البكالوريوس تلبي طموح أبناء البحرين المعرفي، ولم تعد هذه الشهادة المرضية لهم، فهناك من أبناء البحرين من درس تخصصاً في مجال معين ويريد أن يطور معرفته بمجال آخر أو أن يكون أكثر تخصصية في مجاله، لذلك يحرص الشباب على مواصلة دراسته العليا من أجل المعرفة من جهة ومن أجل الارتقاء بسلمه الوظيفي من ناحية أخرى. وأغلب طلبة الدراسات العليا هم موظفون ويدرسون على حسابهم الخاص، وهنا مربط الفرس. طلبة الدراسات العليا يعانون من عدة أمور منها المورد المالي والوقت والجهد والجو الملائم لعملية البحث العلمي في المجالات المختلفة. الدولة لابد أن تساهم في تذليل الصعاب أمام الباحث والوقوف بجانبه ومساندته، ليس بالقول والمدح وإنما بالفعل ووضع استراتيجية محكمة ما سيعود بالنفع على البلاد من هذه الدراسات والبحوث العلمية على المجتمع. تخصيص ميزانية خاصة لطلبة الماجستير والدكتوراه للدراسة المجانية أو شبه المجانية في داخل البحرين أو خارجها، توفير الوقت للباحث الذي يعمل في وظيفة حكومية من خلال تفريغه للبحث العلمي، تشجيع البحوث العلمية النادرة من خلال تقديم الجوائز المالية المغرية، عمل الباحثين المتخرجين كفريق واحد مع دكاترة في مجال محدد. وغيرها من الأفكار التي تساعد في تطوير البحث العلمي، ولكن تبقى الميزانية المخصصة للدراسات والبحـــوث العلـــــمية ومساعدة الباحثين هي النقطة التي سوف تحول المجتمع البحريني يتلقى بحوثاً معلبة من الخارج إلى مجتمع يساير التقدم والتطور من خلال بحوثه الخاصة به تستند عليه الدول العظمى بعد ذلك في بحوثهم العلمية. لا ضير في أن يصبح الشعب أجمع من حملة الدراسات العليا ولا ضير في التعلم والتطور والتقدم، ولكن من المؤسف أن نكون من أمة اقرأ لا تهتم بالبحث العلمي ولا تولي له أهمية عظمى ولا تضعه في أجندات أصحاب القرار. أحياناً عندما تريد الحكومة أن تفعل بعض المشروعات، تقوم بذلك بلمح البصر، وتسخر كل الإمكانيات لمسايرة هذا المشروع، فليكن رصد ميزانية ضخمة للبحوث العلمية وطلبة الدراسات العليا هو المشروع القادم الذي سيفعل بسرعة البرق. وهذا هو التحدي المقبل.